311

لأنه اذا كتب في كل يوم كتابا واحدا ، اجتمع من كتبه اكثر من هذه العدة المشار اليها ، واذا نخلت وغربلت واختير الأجود منها اذ لا تكون كلها جيدة ، فيخلص منها النصف ، وهو خمسة أجزاء.

والله يعلم : ما اشتملت عليه من الغرائب والعجائب ، وما حصل في ضمنها من المعاني المبتدعة.

على ان الحريري ، قد كتب في أثناء مقاماته رفاعا في مواضع عدة فجاء بها منحطة عن كلامه في حكايات المقامات ، لا بل جاء بالغث البارد ، الذي لا نسبة له الى باقي كلامه فيها.

وله ايضا كتابة أشياء خارجة عن المقامات ، واذا وقف عليها : اقسم ان قائل هذه ، ليس قائل هذه ، لما بينهما من التفاوت البعيد.

وبلغني عن الشيخ ابى محمد ابن الخشاب النحوي ، انه كان يقول : «ابن الحريري رجل مقامات» اي : انه لم يحسن من الكلام المنثور سواها ، وان اتى بغيرها : لا يقول شيئا.

فانظر أيها المتأمل : الى هذا التفاوت ، في الصناعة الواحدة من الكلام المنثور.

ومن أجل ذلك ، قيل : شيئان لا نهاية لهما ، البيان ، والجمال.

وعلى هذا : فاذا ركب الله تعالى في الانسان ، طبعا قابلا لهذا الفن.

فيفتقر حينئذ الى ثمانية انواع من الآلات :

النوع الأول : معرفة علم العربية : من النحو والصرف.

النوع الثاني : معرفة ما يحتاج اليه من اللغة : وهو المتداول المألوف استعماله ، في فصيح الكلام ، غير الوحشي الغريب ، ولا المستكره المعيب.

صفحہ 313