أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي.
إن اسم ياقوت يدل على أنه كان من الموالي، إذ كان من المرسوم أن يدعون الموالي باسم الأحجار الكريمة أو العطور العبقة كزمرد وكافور. فأراد ياقوت فيما بعد أن يستبدل اسمه بيعقوب للتشابه فيما بينهما ولكنه لم يوفق لذلك وبقي بين معاصريه والأجيال اللاحقة مشتهرًا بهذا الاسم.
ياقوت الحموي رومي الأصل ومن البلاد البيزنطية، ولعله من عرق يوناني. وإنما اشتهر بابن عبد الله لأن أباه مجهول. واشتهر بالحموي أيضًا لأنه مولى لرجل من أهل حماة.
ولد بالإجماع في سنة ٥٧٥ هـ / ١١٧٩ م.
كان غريبًا عن لغته الأصلية أو كان لا يجيدها وصارت العربية لغته الرسمية ولكن بما أنه يعود إلى أصول أجنبية لم يصل في هذه اللغة أيضًا إلى كمالها.
ترعرع في بيئة إسلامية وقد سعى مولاه في أمر تعليمه وإرشاده وكان يصطحبه معه في الكثير من الرحلات التجارية وأحيانًا يرسله للسفر وحيدًا. ومن الرحلات التي أثرت فيه رحلته مكررًا إلى جزيرة كيش الواقعة في الخليج الفارسي حيث كانت آنذاك واحدة من المراكز التجارية في العالم الإسلامي يتقاطر إليها الناس من مختلف أصقاع العالم. وخلال إحدى هذه الرحلات في سنة ٥٩٦ هـ، أُخبر بوفاة مولاه وتحريره إياه فأقام من حينها في بغداد واشتغل بالاستنساخ وبيع الكتب. ثم بدأ برحلاته منذ عام ٦١٠ هـ / ١٢١٣ م واستمرت ستة عشر عامًا إلى حين موته بفواصل قليلة.
من أساتذته: العكبري وابن يعيش.
ذكره المؤرخون وأرباب التراجم بأنه مؤرخ ثقة، ومن روّاد علم الجغرافيا، لغوي، أديب، شاعر وكاتب بارع وعالم بصير في تقويم البلدان.
آثاره
من آثاره: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، أخبار الشعراء أو معجم الشعراء، المقتطفات في النسب، معجم البلدان، مراصد الاطلاع (هناك اختلاف في نسبة هذا الكتاب إليه)، المشترك وضعًا والمفترق صقعًا، أخبار المتنبي، كتاب الأغاني، كتاب الدول وغيرها.
نامعلوم صفحہ
[المجلد الاول]
بسمِ الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي جعل الأَرضَ مِهادًا، والجبالَ أَوتادًا، وبَثَّ من ذلك نشوزًا ووهادًا، وصَحارَى وبلادًا، ثم فجَّر خِلال ذلك أَنهارًا، وأَسال أَوديةً وبحارًا، وهدَى عباده إِلى اتخاذ المساكن، وإِحكام الأَبنية والمواطن، فشيَّدوا البُنيان، وعمَّروا البُلْدان، ونحَتوا من الجبال بيوتًا، واستنبطوا آبارًا وقُلوتا، وجعل حرصهم على تَشييد ما شيَّدوا، وإحكام ما بَنَوا وعَمَّدُوا، عبرة للغافلين، وتبصرة للغابرين. فقال وهو أَصدق القائلين: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ.
كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا في الْأَرْضِ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» ٤٠: ٨٢. أَحمَده على ما أَعطى وأَنعم، وهدَى إِلى الرُّشد وأَلهمَ، وبيَّن من السَّداد وأَفهمَ، وصلى الله عليه خِيرته من أَنبيائه والمرسلين، وصفوته من أَصفيائه والصالحين، محمد المبعوث بالهدى والدين المبين، المنعوت بِ «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» ٢١: ١٠٧ وعلى آله الكرام البررة، وأصحابه المنتجبين الخيرة، وسلّم تسليما.
أَما بعد، فهذا كتاب في أَسماءِ البُلْدان، والجبال، والأودية، والقيعان، والقُرَى، والمحالّ، والأَوطان، والبحار، والأَنهار، والغُدران، والأصنام، والأنداد، والأَوثان. لم أَقصِدْ بتأْليفه، وأَصمُدْ نفسي لتصنيفه، لهوًا ولا لعبا، ولا رَغبة حثَّتني اليه ولا رَهْبًا، ولا حنينا استفزَّني إِلى وَطن، ولا طربًا حَفَزَني إِلى ذي ودّ وَسَكَن. ولكن رأَيت التصدّي له واجِبًا، والانتدابَ له مع القدرة عليه فرضا لازبا، وفّقني عليه الكتاب العزيز الكريم، وهداني اليه النّبأُ العظيم، وهو قوله ﷿، حين أراد أن يعرّف عباده آياته ومثلاته، ويقيم الحجة عليهم في إِنزاله بهم أَلِيمَ نَقماته:
«أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الْأَرْضِ، فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ» ٢٢: ٤٦. فهذا تقريع لمن سار في بلاده ولم يعتبر، ونظر إلى القرون الخالية فلم ينزجر، وقال وهو أصدق القائلين: «قُلْ سِيرُوا في الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» ٦: ١١ أَي انظروا إلى ديارهم كيف درست، وإلى آثارهم وأنوارهم كيف انطَمَسَت، عقوبةً لهم على اطّراح أَوامره، وارتكاب زواجره، إلى غير ذلك من الآيات المحكمة، والأَوامر والزواجر المبرَمة.
فالأَول توبيخ لسَبْق النهي عن المعصية شاهرًا، والثاني أَمر يقتضي الوجوب ظاهرا. فهذا من كتاب الله الذي لا يأْتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلفه، ولا يطرق عليه نقصٌ من إِنشائه وخَلقه، وقد
1 / 7
وَرَد في الأثر عن السادات ممن عَبر، قول عيسى بن مريم، ﵇: الدُّنيا مَحَلُّ مَثُلةٍ، ومنزلُ نَقَلةٍ، فكونوا فيها سَيَّاحين، واعتبروا ببقية آثار الأَولين.
قال قُسُّ بن ساعدة الذي حكم له النبي، ﵌، أَنه يُبعَثُ أُمّةَ وحدَه: «أَبلَغُ العظات، السيرُ في الفلوات، والنظرُ إلى محل الأَموات» . وقد مدح الشعراءُ الخُلفاءَ والملوك والأُمراء بالسير في البلاد، وركوب الحُزُون والوهاد. فقال بعضهم يمدح المعتصم:
تناولتَ أَطرافُ البلاد بقدرةٍ، ... كأَنك، فيها، تَبتَغي أَثر الخِضْر
وقد تتعذَّر أَسباب النظر، فيتعين التماس الخبر، فوَجب لذلك علينا إعلام المسلمين بما علِمناه، وإرفادُهم بما أَفادناه الله بفضله فأَتْقَنَّاه، إذ كان الافتقار إلى هذا الشأْن يَشترك فيه كلّ من ضَرَب في العِلم بسهم، واختَصَّ منه بنصيب أَو قَسم، أَو أَتَّسمَ منه باسم، أَو ارتسم بفنّ منه او رسم. وعلى ذلك لم أَرَ من طَبَّ سقيمَ أَسمائها، أَو قَوِي على تمتين ضعيف مقاصدها وأَنحائها، فإني رأَيت جُلّ نَقَلة الأَخبار، وأَعيان رُواة الأَشعار والآثار، ممن عُنِي بها دهرَه، وأَنفد فيها عَرضه وعَمْرَه حَسَنَ الاستمرار على الصواب، والجًا حدائق الرشد في كل باب، ضاربا بقداح الفَلْج في أَفانين العلوم والآداب، عند قراءة السنن والآثار، ورواية الأحاديث والأَخبار، لتحصيلهم إياها بالمعاني، واستدلالهم على مغزى أَوائل الكلم بالثّواني، لأخذ بعض الكلام بأهداب بعض، ودلالة أواخره على أوائله، وأَوائله على أَواخره، حتى يمرّ بهم ذكر بقْعة كانت بها وقعة واقعة، فيختلط لاحتياجه إلى النقل لا العقل، والرواية لا الدراية، فتراه إما غالطا، أو مغالطًا، فيَخفِض من صوته بعد رَفْعه، ويَتَكَهَّمُ ماضي لسانه بقدعه. ثم قلما رأَيت الكتب المتْقنَة الخط، المحتاطَ لها بالضبط والنّقط، إِلا وأَسماءُ البقاع فيها مهملة أَو محرّفة، وعن محجّة الصواب منعطفة أَو منحرفة، قد أَهمله كاتبه جهلا، وصورّه على التَّوَهُّم نقلا.
وكم إمام جليل، ووَجْه من الأَعيان نبيل، وأمير كبير، ووزير خطير، يُنسَب إلى مكان مجهول، فتراه عند ترجيم الظنون على كلّ محتمل محمول، فإن سئل عنه أَهل المعارف أخذوا بالنصف الأرْذل من العلم، وهو لا أدري. وبئست الخطة للرجل الفاضل، فإِن التَمس لذلك مَظِنَّةً، أَعضَلَ، أَو أُريغَ له مطلب، أَعوَزَ وأَشكل، لِإغفالهم هذا الفنَّ من العلم الخطير مع جلالته، وإعراضهِم عن هذا المقصد الكبير مع فَخامته. ومن ذا الذي يَستَغني من أولي البصائر عن معرفة اسماء الأَماكن وتصحيحها، وضبط أصقاعها وتنقيحها، والناس في الافتقار إلى علمها سَوَاسية، وسرّ دَوَرانها على الأَلسن في المحافل علانيةٌ، لأَن من هذه الأَماكن ما هي مواقيت للحجاج والزائرين، ومعالم للصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أَجمعين، ومشاهد للأَولياء والصالحين، ومواطن غزوات سرايا سيّد المرسلين، وفتوح الأَئمة من الخلفاء الراشدين.
وقد فُتحت هذه الأماكن صلحا وعنوة، وأَمانًا وقوَّةً، ولكلٍّ من ذلك حكم في الشريعة، في قسمة الفيء وأَخذ الجزية، وتناول الخراج واجتناءِ المقاطعات والمصالحات، وإِنالة التَّسْويفات والإِقطاعات،
1 / 8
لا يَسَعُ الفقهاءَ جهلُها، ولا يُعذر الائمة والأُمراءُ إِذا فاتَهُم في طريق العلم حَزْنُها وسهلُها، لأَنها من لوازم فتيا الدين، وضوابط قواعد الإِسلام والمسلمين.
فأَما أهل السير والأخبار، والحديث والتواريخ والآثار، فحاجتُهم إلى معرفتها أَمَسُّ من حاجة الرياض إِلى القطار، غبَّ إِخلاف الأَنواءِ، والمُشفي إِلى العافية بعد يأْس من الشفاء، لأَنه معتمد علمهم الذي قَلَّ أَن تخْلوَ منه صَفْحَةٌ، بل وِجْهَةٌ، بل سطرٌ من كتبهم.
وأَما أَهل الحكمة والتّفهيم، والتطبّب والتّنجيم، فلا تقصُرُ حاجتُهم إِلى معرفته عمّن قدَّمنا، فالأَطباءُ لمعرفة أَمزجة البُلْدان وأَهوائها، والمنجم للاطّلاع على مطالع النجوم وأَنوائها، إذ كانوا لا يحكمون على البلاد إِلا بطوالعها، ولا يقضون لها وعليها بدون معرفة أَقاليمها ومواضعها، ومن كمال المتطبّب أَن يتطلَّع إِلى معرفة مزاجها وهوائها، وصحّة أَو سقم منبتها ومائها، وصارت حاجتهم الى ضبطها ضرورية، وكشفهم عن حقائقها فلسفيَّة، ولذلك صنَّف كثير من القدماء كُتبًا سموها جغرافيا، ومعناها صورة الأَرض، وأَلَّفَ آخرون كُتبًا في أَمزجة البلدان وأَهوائها، نحو جالينوس، وقبله بُقْراط وغيرهما.
وأما أَهلُ الأَدب فناهيكَ بحاجتهم إِليها، لأنّها من ضوابط اللّغوي ولوازمه، وشواهد النّحوي ودعائمه، ومعتمد الشاعر في تحلية جيد شعره بذكرها، وتزيين عقود لآلئ نظمه بشذرها، فإِن الشعر لا يروق، ونفسَ السامع لا تشوق، حتى يذكر حاجر وزرود، والدهناءَ وهبود، ويتحنّن الى رمال رضوى، فيلزمه تصحيح لفظ الاسم وأَين صَقْعُه، وما اشتقاقُه ونُزهتُه، وقَفْرُه وحَزْنُه وسهولتُه.
فإنه إن زعم أنه وادٍ وكان جبلًا، أَو جبلٌ وكان صحراءَ، أَو صحراءُ وكان نَهَرًا، أَو نهرٌ وكان قَرْيَةً، أَو قريةٌ وكان شِعْبًا، أَو شعبُ وكان حَزْمًا، أَو حزمٌ وكان روضةً، أَو روضةٌ وكان صَفْصَفًا، أَو صفصفٌ وكان مُستَنْقَعًا، أَو مستنقعٌ وكان جَلَدًا، أَو جلدٌ وكان سَبْخَةً، أَو سبخةٌ وكان حَرَّةً، أَو حَرَّةٌ وكان سهلا، أَو سهلٌ وكان وَعْرًا، أَو يَجعَلُه شرقيًّا وكان غربيًّا، أَو جنوبيًّا وكان شماليًّا، سَفُلَ قدرُه، ونَزُرَ كُثْرُه، وآض ضُحْكةً، ويرى أَنه ضُحكَة، وجُعل هُزْأَة، ويرى أَنه هُزَأَة، واستُخِفَّ وزنُه واستُرذِل، واستُقِلّ فضْلُه واستُجهِلَ، فقد ذكر بعض العلماء أَنهم استدلوا على ان هذا البيت:
إِنَّ بالشعب، الذي دونَ سَلْعٍ، ... لقتيلًا، دَمُه ما يُطَلُ
ليس من شعر تَأبَّطَ شرًّا، بأَن سَلْعًا ليس دونه شعبٌ. ولقد صنَّف، في عصرنا هذا، إِمام، من أَهل الأَدب، جليلٌ، وشيخ يُعْتَمَد عليه ويُرجَع في حلِّ المُشكلات إِليه نبيلٌ، كتابًا في شرح المقامات، التي أَنشأَها أَبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري، فطبَّقَ مَفصِلَ الإِصابة في شرح أفانين ضروبها، وغَبَّرَ في وجه كل من فَرَّغَ بالُه لإِيضاح مُشْكلها وغريبها، فإِنه بَهرَ العقول وأَدهش الأَذهان بما ذكره من أسرار بلاغتها، وأَظهره من مخزون براعتها، وأَوضحه من مكنون معانيها، وأَبانه من فتق الأَلفاظ التي فيها، وأَوْرده من الأشباه والنظائر، والعينون والنواظر، واصطلح الجمهور على تفضيله،
1 / 9
واتَّفقوا على إِجادة المصنَّف في جُملَه وتفصيله، ونقله وتعليله، وسارت النُّسخُ في الآفاق سَيْرورةَ ذُكاءَ في الإِشراق، فلم يقدم مِقْدامٌ مَتَعَنِّتٌ، ولا هَجَمَ مِهجامٌ متبكِّتٌ، على مؤاخذته بشيءٍ مما فيه، ولا حدَّث محدَّث نفسَه بحلِّ عقد من مغازيه، حتى ذكر اسماء الأماكن التي أَسس عليها أَبو محمد المقامات، فانبتَّ سِلْكُ دُرِّ عِقْد لآليه، وتداعى ما شيَّدَه فضلُه من مبانيه، وعاد رَوضُه الأَريض مصوَّحًا، وقريب إِحسانه مطوَّحا، وظلّ رَكْبُ فضائله طليحا، وتمامُ خلْق بُرهانه سطيحًا، وأَخذ يخلِّط تارة ويَخلِطُ، ويتعثَّر في عَشواءٍ الجهالة ويخبط. فإِنه قال في المقامة الكرجية: وكَرَجُ بلدة بين همذان وأَذربيجان، وإنما هي بين همذان وأَصفهان، والقاصد من همذان إلى أصفهان يأخذ بين الجنوب والمشرق، والقاصد من همذان إلى أذربيجان يأخذ بين الشمال والمغرب، والقاصد إلى هذه يستدبر القاصِد إلى هذه.
وقال في البَرْقَعيدية: وبَرْقَعيد قصبةُ الجزيرة، وإِنما هي قرية من قُرى بقعاء الموصل، لا تبلغ أَن تكون مدينةً، فكيف قصبةً؟
وقال في التّبْريزية: وتبريز بلدة من عواصم الشام، بينها وبين مَنْبج عشرون فرسخًا، وتبريز بلدة أَشهرُ وأَظهرُ من أَن تخفَى، وهي اليوم قصبة نواحي أَذربيجان، وأَجَلُّ مُدُنها. وإِلى غير ذلك من أغاليط غيره، فصار هذا الإِمام ضُحْكةً للبطالين، وهُزْأَة للساخرين، ووجد الطاعنُ عليه سبيلًا، وإِن كان مع كثرة إحسانه قليلًا، فلو كان له كتابٌ يَرجع إليه، ومَوْئلٌ يَعتمد عليه، خلص من هذه البليَّة نجيًّا، وارتقى من الهبوط في هذه الأَهوية مكانا عليًّا.
وكان من أَول البواعث لجمع هذا الكتاب، أَنني سُئلتُ بَمرْو الشاهجان، في سنة خمس عشرة وستمائة، في مجلس شيخنا الإِمام السعيد الشهيد فخر الدين أَبي المظفّر عبد الرحيم ابن الإِمام الحافظ تاج الإِسلام أَبي سعد عبد الكريم السَّمْعاني، تَغَمَّدَهما الله برحمته ورضوانه، وقد فُعِل الدعاء إِن شاءَ الله، عن حُباشَةَ اسم موضع جاءَ في الحديث النبويّ، وهو سوقٌ من أَسواق العرب في الجاهلية. فقلت: أَرى أَنه حُباشَةُ بضم الحاء، قياسًا على أَصل هذه اللفظة في اللغة، لأَنّ الحُباشَةَ: الجماعة من الناس من قبائل شتى، وحبَشْتُ له حُباشَةً أَي جَمعت له شيئًا. فانبرى لي رجلُ من المحدّثين، وقال: انما هو حَباشةُ بالفتح. وصَمَّمَ على ذلك وكابَرَ، وجاهَرَ بالعنِادِ من غير حُجّة وناظَرَ، فأَردْتُ قطعَ الاحتجاج بالنّقْل، إذ لا مُعَوَّل في مثل هذا على اشتقاق ولا عَقْل، فاستعصى كَشْفُه في كتب غرائب الأَحاديث، ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بِمَرْوَ يومئذ، وكثرة وجودها في الوقوف، وسهولة تناولها، فلم أَظْفَر به إِلا بعد انقضاء ذلك الشَّغَب والمِراء، ويأْسٍ من وجوده ببَحْث واقتراء، فكان موافقًا والحمد لله لما قُلْتُه، ومَكيلًا بالصاع الذي كِلتُه، فأُلقَي حينئذ في رُوعي افتقارُ العالم إِلى كتاب في هذا الشأْن مضبوطًا، وبالإتقان وتصحيح الأَلفاظ بالتَّقييد مخطوطًا، ليكون في مثل هذه الظُّلمْة هاديًا، وإِلى ضَوءِ الصواب داعيًا، ونُبَّهتُ على هذه الفضيلة النبيلة، وشُرِحَ صدري لنيل هذه المنقَبَة التي غفل عنها الأَولون، ولم يَهْتَدِ لها الغابرون. يقول من تَقْرَعُ اسماعَهُ: كم تَركَ الأَول
1 / 10
للآخر. وما أَحسن ما قال أَبو عثمان: ليس على العلم أَضرُّ من قولهم: لم يَتْرُك الأَول للآخر شيئًا، فإنه يُفْتِرُ الهمة، ويُضْعِفُ المُنَّةَ، أَو نحو هذا القول.
على أَنه قد صنّف المتقدّمون في اسماء الأَماكن كتبا وبهم اقتَدَينا، وبهم اهتَدَينا، وهي صنفان:
منها ما قُصِدَ بتصنيفه ذكر المدن المعمورة والبلدان المسكونة المشهورة، ومنها ما قُصد به ذكر البوادي والقفار، واقتُصِرَ على منازل العرب الواردة في أَخبارهم والأَشعار.
فأَما من قصَدَ ذكر العُمْران، فجماعة وافرةٌ، منهم من القدماء والفلاسفة والحُكماء: أَفلاطُن، وفيثاغورس، وبَطْليموس، وغيرهم كثير من هذه الطبقة، وسَمَّوْا كتبهم في ذلك جَغْرافيا، سمعتُ من يقوله بالغين المعجمة والمهملة، ومعناه: صورة الأَرض. وقد وقفتُ لهم منها على تصانيف عِدَّة جَهِلتُ أَكثر الأماكن التي ذُكرَت فيها، وأُبهِمَ علينا أَمرُها، وعُدِمَتْ لتطاول الزمان، فلا تُعْرَفُ.
وطبقة أخرى اسلاميون سلكوا قريبًا من طريقة أُولئك من ذكر البلاد والممالك، وعَيَّنُوا مَسافَةَ الطُّرُق والمسالك، وهم: ابن خُرْداذبه، وأَحمد بن واضح، والجَيْهاني، وابن الفقيه، وأَبو زيد البَلْخي، وأَبو إِسحاق الإِصْطَخْري، وابن حَوْقَل، وأَبو عبد الله البَشّاري، والحسن بن محمد المهلَّبي، وابن أَبي عون البغدادي، وأَبو عُبَيْد البكري، له كتاب سمّاه المسالك والممالك.
وأَما الذين قصدوا ذكر الأَماكن العربية والمنازل البَدَوية فطبقة أَهل الأَدب، وهم أبو سعيد الأَصمعي، ظَفِرْت به رواية لابن دُرَيْد عن عبد الرحمن عن عمه، وأبو عبيد السكوني، والحسن بن أحمد الهمداني، له كتاب جزيرة العرب، وأَبو الأَشعث الكِندي في جبال تِهامَةَ، وأَبو سعيد السيرافي، بلغني أَن له كتابًا في جزيرة العرب، وأَبو محمد الأَسود الغُنْدِجاني، له كتاب في مياه العرب، وأَبو زياد الكلابي، ذكر في نوادره من ذلك صَدْرًا صالحًا وقفتُ على أَكثره، ومحمد بن إِدريس بن أَبي حَفصة، وقفتُ له على كتاب سماه مَناهل العرب، وهشام بن محمد الكلبي، وقفت له على كتاب سماه اشتقاق البلدان، وأَبو القاسم الزّمَخْشَري، له كتاب لطيف في ذلك، وأَبو الحسن العِمْراني تلميذ الزمخشري، وقف على كتاب شيخه وزاد عليه رأَيتُه، وأَبو عبيد البكري الأَندُلُسي، له كتاب سماه مُعجم ما اسْتَعْجَمَ من أَسماء البقاع لم أَرهُ بعد البحث عنه والتَّطلُّب له، وأَبو بكر محمد بن موسى الحازمي، له كتاب ما ائتَلف واختلف من أَسمائها، ثم وَقَفَني صديقُنا الحافظ الإِمام أَبو عبد الله محمد ابن محمود بن النَّجَّار، جزاه الله خيرًا، على مختصر اختصره الحافظ أَبو موسى محمد بن عمر الأَصفهاني، من كتاب أَلَّفه أَبو الفتح نَصْر بن عبد الرحمن الإسكندري النحوي، فيما ائتَلف واختَلف من أَسماء البقاع، فوجدتُه تأْليفَ رجل ضابط قد أَنفد في تحصيله عمرًا وأَحسن فيه عينًا وأَثرًا، ووجدت الحازميّ، ﵀، قد اختلَسه وادّعاه، واستَجهَل الرّواةَ فرواه، ولقد كنت عند وقوفي على كتابه أَرفَع قَدْرَه من علمه، وأَرى أَن مَرماه يَقصُر عن سهمه، إِلى أَن كشَفَ الله عن خبيته، وتَمحَّضَ المحضُ عن زُبدته، فأَما أَنا فكل ما نَقَلْتُه من كتاب نصر، فقد نسَبْتُه إِليه وأَحَلْتُه عليه، ولم أُضِع نَصَبَه، ولا أَحْمَلْتُ ذكره وتعبه. والله يثيبه ويرحمه.
1 / 11
وهذه الكتب المدوّنة في هذا الباب التي نقلت منها، ثم نقلت من دواوين العرب والمحدَثين وتواريخ أهل الأَدب والمحدّثين، ومن أَفواه الرواة، وتفاريق الكتب، وما شاهدتُه في أَسفاري، وحصَّلتُه في تَطْوافي، أَضعاف ذلك، والله الموفق إِن شاءَ الله.
فأَما الطبقة الأُولى، فأَسماء الأَماكن في كتبهم مصحّفة مغيَّرة، وفي حيَّز العدم مصيَّرة، قد مسخها من نسخها.
وأَما الطبقة الثانية فإنها وإن وُجدت لها أُصول مضبوطة، وبخطوط العلماء منوطة مربوطة، فإنها غير مرتبة، ولشفاء العليل غير مسببة، لشدة الاختصار، وعدم الضبط والانتشار، لأَن قصدهم منها تصحيح الأَلفاظ، لا الإِبانة عمَّا عدا ذلك من الأَغراض، والبحث عما يعترض فيها من الأَعراض، فاستَخَرتُ الله تعالى، وجمعت ما شَتَّتُوه، وأَضفت اليه ما أهملوه، ورتَّبتُه على حروف المعجم، ووضعته وضع أهل اللغة المحكم، وأَبَنتُ عن كل حرف من الاسم: هل هو ساكن أو مفتوح أَو مضموم أَو مكسور، وأَزَلتُ عنه عوارض الشُّبَه، وجعلته تبرا بعد أن كان من الشّبه، ثم أذكر اشتقاقه إن كان عربيًّا، ومعناه إِن أَحَطْتُ به علما إن كان عجميا، وفي أَيِّ إِقليم هو وأَيُّ شيءٍ طالعه، وما المستولي عليه من الكواكب، ومن بناه، وأَيُّ بلد من المشهورات يجاوره، وكم المسافة بينه وبين ما يقاربه، وبماذا اختص من الخصائص، وما ذُكر فيه من العجائب، وبعض من دُفن فيه من الأَعيان والصالحين والصحابة والتابعين، ونُبَذًا مما قيل فيه من الأَشعار في الحنين إِلى الأَوطان، الشاهدة على صحة ضبطه والإتقان، وفي أَيِّ زمان فتَحهَ المسلمون وكيفية ذلك، ومن كان أميره، وهل فُتح صُلحًا أَو عَنوَة لتَعرف حُكمَه في الفيء والجزية، ومن ملكه في أَيامنا هذه.
على أَنه ليس هذا الاشتراط بمطاوِعٍ لنا في جميع ما نورده، ولا ممكن في قُدْرَة أَحد غيرنا، وإِنما يجيءُ على هذا البُلْدان المشهورة، والأُمهات المعمورة، وربما ذُكر بعض هذه الشروط دون بعض على حَسْب ما أَدَّانا إليه الاجتهاد، وملّكناه الطلب والارتياد.
واستَقصَيتُ لك الفوائد جُلّها أَو كلها، ومَلّكْتك عَفوًا صَفوًا عَقْدَها وحَلّها، حتى لقد ذَكرتُ أَشياء كثيرة تأْباها العقول، وتَنفِر عنها طباع من له محصول، لبُعدها عن العادات المأْلوفة، وتنافُرها عن المشاهدات المعروفة، وإِن كان لا يُستعظَم شيءٌ مع قُدرة الخالق وحِيَلِ المخلوق، وأَنا مُرتاب بها نافرٌ عنها مُتَبَرِّىءٌ إِلى قارئها من صِحَّتها، لأَنني كتبتها حِرصًا على إحراز الفوائد، وطلبًا لتحصيل القلائد منها والفرائد، فإن كانت حقا فقد أَخذنا منها بنصيب المصيب، وإِن كانت باطلًا فلها في الحق شِرك ونصيب، لأَنني نَقَلتُها كما وجدتُها، فأَنا صادق في إيرادها كما أَوردتُها، لتعرف ما قيل في ذلك حقًا كان أَو باطلًا، فإِنّ قائلًا لو قال: سمعتُ زيدًا يكذب، لأَحْبَبْت أَن تعرف كيفية كذبه.
وها أَئمة الحُفَّاظ الذين هم القُدْوة في كل زمن، وعليهم الاعتماد في فرائض الشّرْع والسُّنَن، لم يَشْتَرط أَكثرهم في مَسْنَده، وهي أحاديث الرسول التي تَبْتَني عليها الأَحكام، ويُفَرَّق بها بين الحلال والحرام، إيرادَ الصحيح دون السقيم، ونَفيَ المُعوَجِّ وإِثباتَ المستقيم، ولم يُخرجِهْم ذلك عن أَن يُعَدُّوا في أَهل الصدق،
1 / 12
أَو يَتزحزحوا عن مراتب الائمة والحق، انهم أَورَدوا ما سمعوه كما وَعَوْه، وإِنما يُسمَّى كذّابًا، إذا وضع حديثًا، أَو حَدَّث عمن لم يَسمع منه، أَو روى عمَّن لم يَرْوِ عنه، فأَما من يروي ما سمع كما سمع، فهو من الصادقين، والعُهدة على من رواه عنه، إِلا أَن يكون من أَهل الاجتهاد فله أَن يَرويه ثم يُزِيّغَه، ولولا ذلك لبطل كثير من الأَحاديث، وعلينا الاقتداءُ بهم، والتمسك بحبلهم. والذي لا يردّه ذو مُسْكة، ولا يردُّ خِلافه ذو حُنْكة، ان المتعنّت تعبان مُتعبٌ، والمُنصِف مستريحٌ مريحٌ، ومن ذا الذي أُعطيَ العِصْمةَ، وأَحاط علمًا بكل كلمة؟ ومن طَلب علمًا وَجَد، فإِنني أَهلٌ لأَن أَزلّ، وعن دَرْك الصواب بعد الاجتهاد أَضلّ، فمن أراد منّا العِصمةَ، فليَطْلُبها لنفسه أَولا، فإِن أخطأَته فقد أقام عُذره وأصاب، وإِن زعم أَنه زعم أدركها فليس من أهل الخطاب، ولما تطاولت في جمع هذا الكتاب الأعوام، وترادفت في تحصيل فوائده الشهور والأيام، ولم أنته منه إلى غاية أرضاها، وأقف على غلوة مع تواتر الرّشق فأقول: هي إيّاها، ورأيت تعثّر قمر ليل الشباب بأذيال كسوف شمس المشيب وانهزامه، وولوج ربيع العمر على قيظ انقضائه بأمارات الهرم وانهدامه، وقفت ههنا راجيا فيه نيل الأمنيّة، بإهداءِ عروسه إلى الخطاب قبل المنيّة، وخشيت بغتة الموت، فبادرت بإبرازه الفوت، على أنني من اقتحام ليل المنيّة عليّ قبل تبلّج فجره على الآفاق لجدّ حذر، ومن فلول حدّ الحرص لعدم المحرّض عليه والراغب فيه منتظر، فكيف ثقتي بجيش عمر قد بيّتته من كتائب الأمراض المبهمة حواطم المقانب، أو أركن إِلى إصباح ليل اعترضتني فيه العوارض من كل جانب.
وعلى ذلك فإنني أقول ولا أحتشم، وأدعو إلى النزال كل علم في العلم ولا أنهزم، إن كتابي هذا أوحد في بابه، مؤمّر على أضرابه، لا يقوم بإبراز مثله إلا من أيّد بالتوفيق، وركب في طلب فوائده كل طريق، فغار تارة وأنجد، وطوّح لأجله بنفسه فأبعد، وتفرّغ له في عصر الشبيبة وحرارته، وساعده العمر بامتداده وكفايته، وظهرت منه أمارات الحرث وحركته.
نعم، وإن كنت أستصغر هذه الغاية فهي كبيرة، أو استقلّها فهي لعمر الله كثيرة، وأما الاستيعاب فشيء لا يفي به طول الأعمار، ويحول دونه مانعا العجز والبوار، فقطعته والعين طامحة، والهمة إلى طلب الازدياد جامحة، ولو وثقت بمساعدة العمر وامتداده، وركنت إلى توفيقي لرجائي فيه واستعداده، لضاعفت حجمه أضعافا، وزدت في فوائده مئين بل آلافا، ولو التمست نفاق هذا الكتاب وسيرورته، واعتمدت إشاعة ذكره وشهرته، لصغّرته بقدر الهمم العصرية، ورغبات أهل الطلب الدنيَّة، ولكني انقدت فيه لنهمتي، وجرّني رسن الحرص الى بعض بواعث همتي، وسألت الله، جلّ وعزّ، أن لا يحرمنا ثواب التعب فيه، ولا يكلنا إلى نفسنا فيما نحاوله وننويه، وجائزتي على ما أوضعت إليه ركاب خاطري، وأسهرت في تحصيله بدني وناظري، دعاء المستفيدين، وذكر زكيّ من المؤمنين، بأن أحشر في زمرة الصالحين.
ولقد التمس مني الطلاب اختصار هذا الكتاب مرارا، فأبيت ولم أجد لي على قصر هممهم أولياء ولا أنصارا، فما انقدت لهم ولا ارعويت، ولي على ناقل هذا الكتاب والمستفيد منه أن لا يُضيّع نصبي،
1 / 13
ونصب نفسي له وتعبي، بتبديد ما جمعت، وتشتيت ما لفّقت، وتفريق ملتئم محاسنه، ونفي كل علق نفيس عن معادنه ومكامنه، باقتضابه واختصاره، وتعطيل جيده من حليّه وأنواره، وغصبه إعلان فضله وأسراره، فربّ راغب عن كلمة غيره متهالك عليها، وزاهد عن نكتة غيره مشعوف بها، ينضي الركاب إليها.
فإن أجبتني فقد بررتني، جعلك الله من الأبرار، وإن خالفتني فقد عققتني والله حسيبك في عقبى الدار.
ثم اعلم أن المختصر لكتاب كمن أقدم على خلق سويّ، فقطع أطرافه فتركه أشلّ اليدين، أبتر الرجلين، أعمى العينين، أصلم الأذنين، أو كمن سلب امرأة حليّها فتركها عاطلا، أو كالذي سلب الكميّ سلاحه فتركه أعزل راجلا.
وقد حكي عن الجاحظ أنه صنّف كتابا وبوّبه أبوابا، فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاءً، فأحضره وقال له: يا هذا إن المصنّف كالمصوّر وإني قد صوّرت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعوّرتهما، أعمى الله عينيك، وكان لها أذنان فصلّمتهما، صلّم الله أذنيك، وكان لها يدان فقطعتهما، قطع الله يديك، حتى عدّ أعضاء الصورة، فاعتذر اليه الرجل بجهله هذا المقدار، وتاب إليه عن المعاودة إلى مثله.
ثم أهديت هذه النّسخة بخطي إلى خزانة مولانا الصاحب الكبير، العالم الجليل الخطير، ذي الفضل البارع، والإفضال الشائع، والمحتد الأصيل، والمجد الأثيل، والعزّة القعساء، والرتبة الشّمّاء، الفائز من المكارم بالقدح المعلّى، المتقلد من المكارم بالصارم المحلّى، إمام الفضلاء، وسيّد الوزراء، السيّد الأجلّ الأعظم، القاضي جمال الدين الأكرم، أبي الحسن علي بن يوسف بن ابراهيم بن عبد الواحد الشّيباني ثم التّيمي، حرس الله مجده وأسبغ ظلّه وأهلك ندّه ونصر جنده وهزم ضده، إذ كنت منذ وجدت في حلّ وترحال، ومبارزة للزمان ونزال، أسأل منه سلما ولا يزيدني إلا هضما.
فلما قضت نفسي، من السّير، ما قضت، ... على ما بلت من شدة وليان
بعد طول مكابدة حرفة الحرفة وانتظار تبلّج ظلام الحظ يوما من سدفة:
علقت بحبل من حبال ابن يوسف، ... أمنت به من طارق الحدثان
فردّ عني صرف الدهر والمحسن، ورفّه خاطري عن معاندة الزمن. لمّا:
تغطيّتُ، عن دهري، بظلّ جناحه، ... فعيني ترى دهري، وليس يراني
فأصبحت من كنفه في حريز، حريز، ومن إحسانه وتكرّمه في موطن عزيز:
فلو تسأل الأيام عني لما درت، ... وأين مكاني، ما عرفن مكاني
1 / 14
إذ كان، أدام الله علوّه، علم العلم في زماننا، وعين أعيان أهل عصرنا وأواننا، وأعدت إليه ما استفدته منه، وروى عني ما رويته عنه، فأحسن الله عنا جزاءه، وأدام عزّه وعلاءه، بمحمد وآله الكرام.
وقد قدّمت، أمام الغرض من هذا الكتاب، خمسة أبواب بها يتمّ فضله، ويغزر وبله:
الباب الأول: في ذكر صورة الأرض وحكاية ما قاله المتقدمون في هيئتها، وروينا عن المتأخرين في صورتها.
الباب الثاني: في وصف اختلافهم في الاصطلاح على معنى الإقليم وكيفيته واشتقاقه ودلائل القبلة في كل ناحية.
الباب الثالث: في ذكر ألفاظ يكثر تكرار ذكرها فيه يحتاج إلى معرفتها كالبريد والفرسخ والميل والكورة وغير ذلك.
الباب الرابع: في بيان حكم الأرضين والبلاد المفتتحة في الإسلام وحكم قسمة الفيء والخراج فيما فتح صلحا أو عنوة.
الباب الخامس: في جمل من أخبار البلدان التي لا يختص ذكرها بموضع دون موضع، لتكمل فوائد هذا الكتاب، ويستغنى به عن غيره في هذا الباب.
ثم أعود إلى الغرض فأقسمه ثمانية وعشرين كتابا على عدد حروف المعجم، ثم أقسم كل كتاب إلى ثمانية وعشرين بابا للحرف الثاني للأول، وألتزم ترتيب كل كلمة منه على أول الحرف وثانيه وثالثه ورابعه، وإلى أي غاية بلغ، فأقدّم ما يجب تقديمه بحكم ترتيب: اب ت ث.. على صورته الموضوعة له، من غير نظر إلى أصول الكلمة وزوائدها، لأن جميع ما يرد إنما هي أعلام لمسمّيات مفردة، وأكثرها عجمية ومرتجلة لا مساغ للاشتقاق فيها.
والغرض من هذا الترتيب، تسهيل طريق الفائدة من غير مشقة، والله المعين على ما اعتمدناه، والمرشد إلى سلوك ما قصدناه، من غير حول منا ولا قوة إلا بالله وحده وسمّيته: «معجم البلدان»، اسم مطابق لمعناه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكان الشروع في هذا التبييض في ليلة إِحدى وعشرين من محرم سنة خمس وعشرين وستمائة، والله نسأَل المعونة على إتمامه بمنّه وكرمه.
1 / 15
الباب الاول في صفة الأرض وما فيها من الجبال والبحار وغير ذلك
قال الله ﷿: ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا. وقال جل وعز: والذي جعل لكم الأرض قرارا والسّماء بناء. وقال سبحانه: والله جعل لكم الأرض بساطا.
قال المفسرون: البساط والمهاد: القرار والتّمكّن منها، والتصرف فيها.
واختلف القدماء في هيئة الأرض وشكلها، فذكر بعضهم أنها مبسوطة التسطيح في أربع جهات:
في المشرق والمغرب والجنوب والشمال، ومنهم من زعم أنها كهيئة التّرس، ومنهم من زعم أنها كهيئة المائدة، ومنهم من زعم أنها كهيئة الطبل، وزعم بعضهم أنها شبيهة بنصف الكرة كهيئة القبّة وأن السماء مركبة على أطرافها، وقال بعضهم: هي مستطيلة كالأسطوانة الحجرية او العمود، وقال قوم:
الأرض تهوي إلى ما لا نهاية له، والسماء ترتفع إلى ما لا نهاية له، وقال قوم: إن الذي يرى من دوران الكواكب إنما هو دور الأرض لا دور الفلك، وقال آخرون: إن بعض الأرض يمسك بعضا، وقال قوم: إنها في خلاء لا نهاية لذلك الخلاء.
وزعم أرسطاطاليس أن خارج العالم من الخلاء مقدار ما تنفس السماء فيه، وكثير منهم يزعم أن دوران الفلك عليها يمسكها في المركز من جميع نواحيها. وأما المتكلمون فمختلفون أيضا: زعم هشام ابن الحكم أن تحت الأرض جسما من شأنه الارتفاع والعلوّ، كالنار والريح، وأنه المانع للأرض من الانحدار، وهو نفسه غير محتاج إلى ما يعمد، لأنه ليس مما ينحدر بل يطلب الارتفاع. وزعم أبو الهذيل: أن الله وقفها بلا عمد ولا علاقة، وقال بعضهم: إن الأرض ممزوجة من جسمين: ثقيل وخفيف، فالخفيف شأنه الصّعود، والثقيل شأنه الهبوط، فيمنع كلّ واحد منهما صاحبه من الذّهاب في جهته لتكافؤ تدافعهما. والذي يعتمد عليه جماهيرهم، أن الأرض مدورة كتدوير الكرة، موضوعة في جوف الفلك كالمحّة في جوف البيضة، والنسيم حول الأرض جاذب لها من جميع جوانبها إلى الفلك، وبينه الخلق على الأرض، وأن النسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفّة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل، لأن الأرض بمنزلة حجر المغناطيس الذي يجتذب الحديد وما فيها من الحيوان، وغيره بمنزلة الحديد.
وقال آخرون من أعيانهم: الأرض في وسط الفلك يحيط بها الفرجار في الوسط على مقدار واحد،
1 / 16
من فوق وأسفل ومن كل جانب، وأجزاء الفلك تجذبها من كل وجه، فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية، لأن قوة الأجزاء متكافئة، ومثال ذلك: حجر المغناطيس الذي يجتذب الحديد لأن في طبع الفلك أن يجتذب الأرض.
وأصلح ما رأيت في ذلك وأسدّه في رأيي، ما حكاه محمد بن أحمد الخوارزمي، قال: الأرض في وسط السماء، والوسط هو السّفل بالحقيقة، والأرض مدوّرة بالكلية، مضرّسة بالجزئية من جهة الجبال البارزة والوهدات الغائرة، ولا يخرجها ذلك من الكريّة، إذا وقع الحسّ منها على الجملة، لأن مقادير الجبال، وإن شمخت، صغيرة بالقياس إلى كل الأرض، ألا ترى أن الكرة التي قطرها ذراع أو ذراعان إذا نتأ منها كالجاورسات وغار فيها أمثالها، لم يمنع ذلك من إجراء أحكام المدوّر عليها بالتقريب؟ ولولا هذا التّضريس، لأحاط بها الماء من جميع الجوانب وغمرها حتى لم يكن يظهر منها شيء، فإن الماء وإن شارك الأرض في الثّقل وفي الهويّ نحو السفل، فإن بينهما في ذلك تفاضلا يخف به الماء بالإضافة إلى الأرض، ولهذا ترسب الأرض في الماء وتنزل الكدورة إلى القرار، فأما الماء فإنه لا يغوص في نفس الأرض، بل يسوخ فيما تخلخل منها واختلط بالهواء، والماء إذا اعتمد على الهواء المائي للتخلخل نزل فيها وخرج الهواء منها، كما ينزل القطر من السحاب فيه، ولمّا برز من سطح الأرض ما برز، جاز الماء إلى الاعماق، فصار بحارا، وصار مجموع الماء والأرض كرة واحدة يحيط بها الهواء من جميع
1 / 17
جهاتها، ثم احتدم من الهواء ما مسّ فلك القمر بسبب الحركة وانسحاج المتماسين، فهو إذا النار المحيطة بالهواء متصاغرة القدر في الفلك الى القطبين لتباطؤ الحركة فيما قرب منهما، وصورة ذلك، الصورة الأولى التي في الصفحة السابقة.
وقال أبو الرّيحان: وسط معدّل النهار، يقطع الأرض بنصفين على دائرة تسمّى خطّ الاستواء، فيكون أحد نصفيها شماليّا والآخر جنوبيّا، فإذا توهّمت دائرة عظيمة على الأرض مارّة على قطب خط الاستواء، قسمت كل واحد من نصفي الأرض بنصفين، فانقسم جملتها أرباعا:
جنوبيّان وشماليّان على ما وجدها المعيّنون، لم يتجاوز حدّ أحد الرّبعين الشماليّين فيسمّى ربعا معمورا أو مسكونا كجزيرة بارزة تحيط بها البحار، وهذا الربع في نفسه مشتمل على ما يعرف ويسلك من الحبار والجزائر والجبال والأنهار والمفاوز المعروفة، ثم البلدان والقرى بينها، على انه بقي منها، نحو قطب الشمال، قطعة غير معمورة من افراط البرد وتراكم الثلوج. وقال مهندسوهم: لو حفر في الوهم وجه الأرض، لأدّي إلى الوجه الآخر، ولو ثقب مثلا بفوشنج لنفذ بأرض الصين. قالوا: والناس على الأرض كالنّمل على البيضة، واحتجوا لقولهم بحجاج كثيرة، منها إثباتيّ ومنها إقناعيّ، وليس ذلك ببعيد من الأرض، لأن البسيط يحتمل نشز الشيء، فالأرض على هذا لمن هي تحته بساط، ولمن هي فوقه غطاء.
واختلفوا في مساحة الأرض: فذكر محمد بن موسى الخوارزمي صاحب الزيج أن الأرض على القصد تسعة آلاف فرسخ، العمران من الأرض نصف سدسها، والباقي ليس فيه عمارة ولا نبات ولا حيوان، والبحار محسوبة من الغمران، والمفاوز التي بين العمران من العمران.
قال أبو الريحان: طول قطر الأرض بالفراسخ الفان ومائة وثلاثة وسنون فرسخا وثلثا فرسخ، ودورها بالفراسخ ستة آلاف وثمانمائة فرسخ.
وعلى هذا تكون مساحة سطحها الخارج متكسّرا أربعة عشر ألف ألف وسبعمائة وأربعة وأربعين ألفا ومائتين واثنين وأربعين فرسخا وخمس فرسخ. وكان عمر بن جيلان يزعم ان الدنيا كلها سبعة وعشرون ألف فرسخ، فبلد السودان اثنا عشر ألف فرسخ، وبلد الروم ثمانية آلاف فرسخ، وبلد فارس ثلاثة آلاف فرسخ، وأرض العرب أربعة آلاف فرسخ.
وحكي عن أزدشير أنه قال: الأرض أربعة أجزاء، فجزء منها أرض التّرك وهي ما بين مغارب الهند الى مشارق الروم، وجزء منها المغرب وهو ما بين مغارب الروم إلى القبط والبربر، وجزء منها أرض السودان وهي ما بين البربر إلى الهند، وجزء منها هذه الأرض التي تنسب إلى فارس ما بين نهر بلخ إلى منقطع اذربيجان وأرمينية الفارسية ثم الى الفرات، ثم بريّة العرب إلى عمان ومكران، ثم إلى كابل وطخارستان.
وقال دورينوس إن الأرض خمسة وعشرون ألف فرسخ، من ذلك: الترك والصين اثنا عشر
1 / 18
ألف فرسخ، والروم خمسة آلاف فرسخ، وبابل ألف فرسخ. وحكي أن بطليموس صاحب المجسطي قاس حرّان، وزعم أنّها أرفع الأرض، فوجد ارتفاعها ما عدّد، ثم قاس جبلا من جبال آمد ورجع فمسح من موضع قياسه الأول، إلى موضع قياسه الثاني، على مستو من الأرض، فوجده ستة وستين ميلا، فضربه في دور الفلك وهو ست وستون درجة فبلغ ذلك أربعة وعشرين ألف ميل، يكون ذلك ثمانية آلاف فرسخ، فزعم أن دور الأرض يحيط بثمانية آلاف فرسخ. وقال غير بطليموس ممن يرجع إلى رأيه، إن الأرض مقسومة بنصفين، بينهما خطّ الاستواء، وهو من المشرق إلى المغرب، وهو أطول خطّ في كرة الأرض، كما ان منطقة البروج أطول خطّ في الفلك، وعرض الأرض، من القطب الجنوبي الذي يدور حوله سهيل إلى الشمال الذي تدور حوله بنات نعش، فاستدارة الأرض، بموضع خطّ الاستواء، ثلاثمائة وستون درجة، الدرجة خمسة وعشرون فرسخا، فيكون ذلك تسعة آلاف فرسخ، وبين خط الاستواء وكلّ واحد من القطبين تسعون درجة، واستدارتها عرضا مثل ذلك، لأن العمارة في الأرض بين خطّ الاستواء وكل واحد أربع وعشرون درجة، ثم الباقي قد غمره ماء البحر، فالخلق في الرّبع الشمالي من الأرض والربع الجنوبي خراب، والنصف الذي تحتها لا ساكن فيه، والربعان الظاهران هما أربعة عشر إقليما، منها سبعة عامرة، وسبعة غامرة، لشدّة الحرّ بها.
وقال بعضهم: العمران في الجانب الشمالي من الأرض، أكثر منه في الجانب الجنوبي، ويقال إن في الشمالي أربعة آلاف مدينة، وإن كل نصف من الأرض ربعان، فالربعان الشماليان هما النصف المعمور، وهو من العراق إلى الجزيرة، والشام، ومصر، والروم، والفرنجة، ورومية، والسوس، وجزيرة السعادات، فهذا الربع غربي شمالي، ومن العراق إلى الأهواز، والجبال، وخراسان، وتبّت، إلى الصين، إلى واق واق، فهذا الربع شرقي شمالي، وكذلك النصف الجنوبي، فهو ربعان: شرقي جنوبي، فيه بلاد الحبشة والزنج، والنوبة، وربع غربي لم يطأه أحد ممن على وجه الأرض، وهو متاخم للسودان الذين يتاخمون البربر، مثل كوكو وأشباههم. وحكى آخرون أن بطليموس الملك اليوناني، وأحسبه غير صاحب المجسطي، لم يكن ملكا ولا في أيام الملوك البطالسة، إنما كان بعدهم، بعث إلى هذا الربع قوما حكماء منجمين، فبحثوا عن البلاد وألطفوا النظر والاستخبار من علماء تلك الأمم التي تقاربها ومن هو على تخومها، فانصرفوا إليه فأخبروه أنه خراب يباب ليس فيه ملك ولا مدينة ولا عمارة، وهذا الربع يسمّى المحترق، ويسمّى أيضا الربع الخراب، ثم إن بطليموس أراد أن يعرف عظم الأرض وعمرانها وخرابها، فبدأ فأخذ ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها من العدد، وذلك يوم وليلة، ثم قسم ذلك على أربعة وعشرين جزءا، الساعات المستوية خمسة عشر جزءا، وضرب أربعة وعشرين في خمسة عشر، فصار ثلاثمائة وستين جزءا، فأراد أن يعرف كم ميلا يكون الجزء، فأخذ ذلك من خسوف القمر وكسوف الشمس، فنظر كم ما بين مدينة الى مدينة من ساعة، وكم بين المدينة إلى الأخرى، فقسم الأميال على أجزاء الساعة، فوجد الجزء الواحد منها خمسة وسبعين ميلا، فضرب خمسة وسبعين في ثلاثمائة وستين جزءا من أجزاء البروج، فبلغ ذلك سبعة وعشرين ألف ميل،
1 / 19
فقال إن الأرض مدورة متعلّقة بالهواء، فيكون ما يدور بها من الأميال سبعة وعشرين ألف ميل.
ثم نظر في العمران فوجد من الجزيرة العامرة التي في المغرب إلى البحر الأخضر إلى أقصى عمران الصين، إذا طلعت الشمس في الجزائر التي سمّيناها، غابت بالصين، وإذا غابت في هذه الجزائر طلعت بالصين، فذلك نصف دوّارة الأرض، وذلك ثلاثة عشر ألف ميل وخمسمائة ميل طول العمران. ثم نظر أيضا في العمران فوجد عمران الأرض من ناحية الجنوب إلى ناحية الشمال: أعني من دوّارة الأرض حيث استوى الليل والنهار في الصيف إلى عشرين ساعة، والليل أربع ساعات، وفي الشتاء خلاف ذلك، الليل عشرون ساعة والنهار أربع ساعات، فقال إن استواء الليل والنهار في جزيرة بين الهند والحبشة من ناحية الجنوب التي من التيمن وهو ستّون جزءا، ما يكون له أربعة آلاف وخمسمائة ميل، فإذا ضربت السدس في النصف الذي هو نصف دوّارة الأرض من حيث استوى الليل والنهار، تجد العمران الذي يعرف، نصف سدس جميع الأرض.
واختلف آخرون في مبلغ الأرض وكميّتها، فروي عن مكحول أنه قال: مسيرة ما بين أدنى الأرض إلى أقصاها خمسمائة سنة، مائتان من ذلك قد غمرهما البحر، ومائتان ليس يسكنهما أحد، وثمانون يأجوج ومأجوج، وعشرون فيها سائر الخلق. وعن قتادة، قال: الدنية أربعة وعشرون ألف فرسخ، فملك السودان منها اثنا عشر ألف فرسخ، وملك العجم ثلاثة آلاف فرسخ، وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ، وملك العرب ألف فرسخ. ورواية أخرى عن بطليموس أنّه خرّج مقدار الدنيا واستدارتها من المجسطي بالتقريب، فقال: استدارة الأرض مائة ألف وثمانون ألف إسطاديون، والإسطاديون مساحة أربعمائة ذراع، وهي أربعة وعشرون ألف ميل، فيكون ثمانية آلاف فرسخ بما فيها من الجبال والبحار والفيافي والغياض. قال: وغلظ الأرض، وهو قطرها، سبعة آلاف وستمائة وثلاثون ميلا، تكون ألفين وخمسمائة فرسخ وأربعين فرسخا وثلثي فرسخ. قال: فتكسير جميع بسيط الأرض مائة واثنان وثلاثون ألف ألف وستمائة ألف ميل، يكون مائتي ألف وثمانية وثمانين ألف فرسخ.
واختلفوا أيضا في كيفية عدد الأرضين، قال الله ﷿: «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمن الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» ٦٥: ١٢. فاحتمل هذا أن يكون في العدد والاطباق فروي في بعض الأخبار أن بعضها فوق بعض، وغلظ كل أرض مسيرة خمسمائة عام، وقد عدّد بعضهم لكل أرض أهلا على صفة وهيئة عجيبة، وسمّى كل أرض باسم خاص كما سمّى كل سماء باسم خاصّ. وعن عطاء بن يسار في قول الله ﷿: «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمن الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» ٦٥: ١٢ قال: في كل أرض آدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كابراهيكم، والله أعلم.
وقالت القدماء إن الأرض سبع على المجاورة والملاصقة، فافتراق الأقاليم على المطابقة والمكابسة، والمعتزلة من المسلمين يميلون إلى هذا القول، ومنهم من يرى أن الأرض سبع على الارتفاع والانخفاض، كدرج المراقي.
1 / 20
واختلفوا في البحار والمياه والأنهار فروى المسلمون أن الله خلق البحر مرّا زعاقا، وأنزل من السماء الماء العذب كما قال الله تعالى: «وَأَنْزَلْنا من السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ في الْأَرْضِ» ٢٣: ١٨. وكل ماء عذب من بئر أو نهر، من ذلك، فإذا اقتربت الساعة بعث الله ملكا معه طشت، فجمع تلك المياه فردّها إلى الجنّة. ويزعم أهل الكتاب أن أربعة أنهار تخرج من الجنة: الفرات وسيحون وجيحون ودجلة، وذلك أنهم يزعمون أن الجنة في مشارق الأرض.
وأما كيفية وضع البحار في المعمورة، فأحسن ما بلغني فيه ما حكاه ابو الريحان البيروني، فقال أما البحر الذي في مغرب المعمورة وعلى ساحل بلاد طنجة والأندلس، فإنه سمّي البحر المحيط، وسمّاه اليونانيّون أوقيانوس، ولا يلجّج فيه، إنما يسلك بالقرب من ساحله، وهو يمتدّ من عند هذه البلاد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة، ويخرج منه خليج عظيم في شمال الصقالبة، ويمتدّ إلى قرب أرض بلغار بلاد المسلمين، ويعرفونه ببحر ورنك، وهم أمة على ساحله، ثم ينحرف وراءهم نحو المشرق، وبين ساحله وبين أقصى أرض التّرك أرضون وجبال مجهولة خربة غير مسلوكة. وأما امتداد البحر المحيط الغربي من أرض طنجة نحو الجنوب، فإنه ينحرف على جنوب أرض سودان المغرب وراء الجبال المعروفة بجبال القمر التي تنبع منها عيون نيل مصر، وفي سلوكه غزر لا تنجو منه سفينة.
وأما البحر المحيط من جهة الشرق وراء أقاصي أرض الصين، فإنه أيضا غير مسلوك ويتشعّب منه خليج يكون منه البحر الذي يسمّى في كل موضع من الأرض التي تحاذيه، فيكون ذلك أوّلا بحر الصين، ثم الهند، وخرج منه خلجان عظام يسمّى كل واحد منها بحرا على حدة، كبحر فارس والبصرة، الذي على شرقيّة تيز ومكران، وعلى غربيّه في حياله فرضة عمان، فإذا جاوزها بلغ بلاد الشّحر التي يجلب منها الكندر، ومرّ إلى عدن، وانشعب منه هناك خليجان عظيمان، أحدهما المعروف بالقلزم، وهو ينعطف فيحيط بأرض العرب حتى تصير به كجزيرة، ولأنّ الحبشة عليه بحذاء اليمن فإنه يسمّى بهما، فيقال لجنوبيّه بحر الحبشة، وللشمالي بحر اليمن، ولمجموعهما بحر القلزم، وإنما اشتهر بالقلزم لأن القلزم مدينة على منقطعه في أرض الشام حيث يستدقّ ويستدير عليه السائر على الساحل نحو أرض البجة. والخليج الآخر المقدّم ذكره، هو المعروف ببحر البربر، يمتدّ من عدن إلى سفالة الزنج، ولا يتجاوزها مركب لعظم المخاطرة فيه ويتّصل بعدها ببحر أوقيانوس المغربي، وفي هذا البحر من نواحي المشرق جزائر الرانج، ثم جزائر الديبجات، وقمير، ثم جزائر الزابج، ومن أعظم هذه الجزائر، الجزيرة المعروفة بسر نديب، ويقال لها بالهندية سنكاديب، ومنها تجلب أنواع اليواقيت جميعها، ومنها يجلب الرصاص القلعي، وسربزه ومنها يجلب الكافور. ثم في وسط المعمورة في أرض الصقالبة والروس، بحر يعرف ببنطس عند اليونانيين، وعندنا يعرف ببحر طرابزندة، لأنها فرضة عليه، ويخرج منه خليج يمرّ على سو مدينة القسطنطينية، ولا يزال يتضايق حتى يقع في بحر الشام الذي على جنوبيّه بلاد المغرب إلى الإسكندرية ومصر، وبجذائها في الشمال أرض الأندلس والروم، وينصبّ إلى البحر المحيط عند الأندلس في مضيق يذكر في الكتب بمعبرة هيرقلس،
1 / 21
ويعرف الآن بالزّقاق، يجري فيه ماؤه إلى البحر المحيط، وفيه من الجزائر المعروفة قبرس، وسامس، ورودس، وصقلية، وأمثالها. وبالقرب من طبرستان بحر فرضة جرجان، عليه مدينة آبسكون وبها يعرف، ثم يمتدّ إلى طبرستان، وأرض الديلم، وشروان، وباب الأبواب، وناحية اللّان، ثم الخزر، ثم نهر أتل الآتي إليه، ثم ديار الغزية، ثم يعود إلى آبسكون وقد سمّي باسم كل بقعة حاذاها، ولكن اشتهاره عندنا بالخزر، وعند الأوائل بجرجان، وسماه بطليموس بحر أرقانيا، وليس يتّصل ببحر آخر. فأما سائر المياه المجتمعة في مواضع من الأرض، فهي مستنقعات وبطائح، وربّما سمّيت بحيرات، كبحيرة أفامية، وطبرية، وزغر بأرض الشام، وكبحيرة خوارزم وآبسكون بالقرب من برسخان.
وسترى من هذه الدائرة في الصورة التالية ما يدل على صورة ما ذكرناه بالتقريب.
واختلفوا في سبب ملوحة ماء البحر، فزعم قوم أنه لما طال مكثه وألحّت الشمس عليه بالإحراق، صار مرّا ملحا، واجتذب الهواء ما لطف من أجزائه فهو بقيّة ما صفّته الأرض من الرطوبة فغلظ.
وزعم آخرون أن في البحر عروقا تغيّر ماء البحر، فلذلك صار مرّا زعاقا، وزعم بعضهم أن الماء من
1 / 22
الاستحالات، فطعم كل ماء على طعم تربته.
واختلفوا في الجبال، قال الله تعالى: وَأَلْقى في الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ١٦: ١٥، وقال: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا وَالْجِبالَ أَوْتادًا ٧٨: ٦- ٧. وحكي عن بعض اليونان أن الأرض كانت في الابتداء تكفأ لصغرها، وعلى طول الزمان تكاثفت وثبتت، وهذا القول يصدّقه القرآن لو أنه زاد فيه أنها تثبت بالجبال، ومنهم من زعم أن الجبال عظام الأرض وعروقها.
واختلفوا فيما تحت الأرض، فزعم بعض القدماء أن الأرض يحيط بها الماء، والماء يحيط به الهواء، والهواء يحيط به النار، والنار يحيط بها السماء الدنيا، ثم الثانية، ثم الثالثة، إلى السابعة، ثم يحيط بها فلك الكواكب الثابتة، ثم فوق ذلك الفلك الأعظم المستقيم، ثم فوقه عالم النفس، وفوق عالم النفس عالم العقل، وفوق عالم العقل الباري، جلّت عظمته، ليس وراءه شيء.
فعل هذا الترتيب ان السماء تحت الأرض كما هي فوقها. وفي أخبار قصّاص المسلمين أشياء عجيبة تضيق بها صدور العقلاء، أنا أحكي بعضها غير معتقد لصحّتها: رووا أن الله تعالى خلق الأرض تكفأ كما تكفأ السفينة، فبعث الله ملكا حتى دخل تحت الأرض، فوضع الصخرة على عاتقه، ثم أخرج يديه:
إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، ثم قبض على الأرضين السبع فضبطها، فاستقرّت، ولم يكن لقدمه قرار، فأهبط الله ثورا من الجنّة له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة، فجعل قرار قدمي الملك على سنامه، فلم تصل قدماه إليه، فبعث الله ياقوتة خضراء من الجنة، مسيرها كذا ألف عام، فوضعها على سنام الثور، فاستقرّت عليها قدماه، وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض، مشبّكة تحت العرش، ومنخر الثور في ثقبين من تلك الصخرة تحت البحر، فهو يتنفّس كل يوم نفسين، فإذا تنفّس مدّ البحر وإذا ردّه جزر، ولم يكن لقوائم الثور قرار، فخلق الله تعالى كمكما كغلظ سبع سموات وسبع أرضين، فاستقرّت عليها قوائم الثور، ثم لم يكن للكمكم مستقرّ فخلق الله تعالى حوتا يقال له: بلهوت، فوضع الكمكم على وبر ذلك الحوت، والوبر الجناح الذي يكون في وسط ظهر السمكة، وذلك الحوت على ظهر الريح العقيم، وهو مزموم بسلسلة، كغلظ السموات والأرضين، معقودة بالعرش. قالوا ثم إن إبليس انتهى إلى ذلك الحوت، فقال له: إن الله لم يخلق خلقا أعظم منك، فلم لا تزلزل الدنيا؟ فهمّ بشيء من ذلك، فسلّط الله عليه بقّة في عينيه فشغلته، وزعم بعضهم أن الله سلّط عليه سمكة كالشطبة، فهو مشغول بالنظر إليها ويهابها.
قالوا: وأنبت الله تعالى من تلك الياقوتة التي على سنام الثور، جبل قاف، فأحاط بالدنيا، فهو من ياقوتة خضراء، فيقال، والله أعلم، إن خضرة السماء منه، ويقال إن بينه وبين السماء قامة رجل، وله رأس ووجه ولسان، وأنبت الله تعالى من قاف الجبال، وجعلها أوتادا للأرض كالعروق للشجر، فإذا أراد الله، ﷿، أن يزلزل بلدا، أوحى الله إلى ذلك الملك: أن زلزل ببلد كذا، فيحرّك عرقا مما تحت ذلك البلد، فيتزلزل، وإذا أراد أن يخسف ببلد أوحى الله إليه: أن اقلب العرق الذي تحته، فيقلبه فيخسف البلد. وزعم وهب بن منبّه، أن الثور والحوت يبتلعان ما ينصبّ
1 / 23
من مياه الأرض، فإذا امتلأت أجوافهما قامت القيامة. وقال آخرون إن الأرض على الماء، والماء على الصخرة، والصخرة على سنام الثور، والثور على كمكم من الرمل متلبّد، والكمكم على ظهر الحوت، والحوت على الريح العقيم، والريح على حجاب من الظّلمة، والظلمة على الثّرى، وإلى الثرى ينتهي علم الخلائق، ولا يعلم ما وراء ذلك إلا الله. قال الله تعالى: لَهُ ما في السَّماواتِ وَما في الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ٢٠: ٦.
قال عبيد الله الفقير إليه مؤلّف الكتاب: قد كتبنا قليلا من كثير مما حكي من هذا الباب، وههنا اختلاف وتخليط لا يقف عند حدّ غير ما ذكرنا لا يكاد ذو تحصيل يسكن إليه، ولا ذو رأي يعوّل عليه، وإنما هي أشياء تكلّم بها القصّاص للتهويل على العامّة، على حسب عقولهم، لا مستند لها من عقل ولا نقل، وليس في هذا ما يعتمد عليه إلا خبر رواه أبو هريرة عن النبي، ﷺ، وهو ما أخبرنا به حنبل بن عبد الله بن الفرج بن سعادة أبو علي المكبّر البغدادي، إذنا، قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، قال: حدّثنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن المذهّب، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، قراءة عليه، فأقرأ به في سنة ست وستين وثلاثمائة، قال: حدّثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، ﵀، قال: حدّثنا أبي، حدثنا شريح، حدثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: بينما نحن عند رسول الله، ﷺ، إذ مرّت سحابة، فقال: أتدرون ما هذه فوقكم؟ قلنا:
الله ورسوله أعلم. قال: هذه العنان، وروايا الأرض، يسوقه إلى من لا يشكره من عباده، ولا يدعونه ربّا. أتدرون ما هذه فوقكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: الرقيع موج مكفوف، وسقف محفوظ، أتدرون كم بينكم وبينها؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: مسيرة خمسمائة عام.
ثم قال: أتدرون ما الذي فوقها؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: سماء أخرى، أتدرون كم بينكم وبينها؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: مسيرة خمسمائة عام، حتى عدّ سبع سموات، ثم قال:
أتدرون ما فوق ذلك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: العرش. ثم قال: أتدرون كم بينكم وبين السماء السابعة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: مسيرة خمسمائة عام. ثم قال: أتدرون ما هذه تحتكم؟
قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: الأرض، أتدرون ما تحتها؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: أرض أخرى، أتدرون كم بينكم وبينها؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: مسيرة سبعمائة عام، حتى عدّ سبع أرضين. ثم قال: وايم الله لو دليّتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة السّفلى، لهبط بكم على الله. ثم قرأ: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ٥٧: ٣. قلت: وهذا حديث صحيح، أخرجه أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، عن عبد بن حميد، عن يونس، عن شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن أبي هريرة، ﵁، وفي لفظ الخبر اختلاف والمعنى واحد. انتهى.
1 / 24
الباب الثاني في ذكر الأقاليم السبعة واشتقاقها والاختلاف في كيفيتها
نبدأ، أولا، فنورد عنهم قولا مجملا، يكون عمادا وبيانا لما نأتي به بعد، وهو أشدّ ما سمعت في معناه وألخصه، قالوا: جميع مسافة دوران الأرض، بالقياس المصطلح عليه، مائة ألف ألف وستمائة ألف ميل، كل ميل أربعة آلاف ذراع، الذراع أربعة وعشرون إصبعا، كل ثلاثة أميال منها فرسخ، والأرض التي هي المساحة مقدار دورها، ثلاثة أرباعها مغمورة بالماء، والربع الباقي مكشوف، والمعمورة هي المسكون من هذا الربع المكشوف ثلثه وثلث عشره، والباقي خراب، وهذا المقدار من الربع المسكون مساحته ثلاثة وثلاثون ألف ألف ومائة وخمسون ألف ميل، وهذا العمران هو ما بين خطّ الاستواء إلى القطب الشمالي، وينقسم إلى سبعة أقاليم، واختلفوا في كيفيتها على ما نبيّنه.
واختلف قوم في هذه الأقاليم السبعة: في شمالي الأرض وجنوبيّها، أم في الشمال دون الجنوب، فذهب هرمس إلى أن في الجنوب سبعة أقاليم كما في الشمال. قالوا وهذا لا يعوّل عليه لعدم البرهان، وذهب الأكثرون إلى أن الأقاليم السبعة في الشمال دون الجنوب، لكثرة العمارة في الشمال وقلّتها في الجنوب، ولذلك قسموها في الشمال دون الجنوب. وأما اشتقاق الأقاليم فذهبوا إلى أنها كلمة عربية، واحدها إقليم، وجمعها أقاليم، مثل إخريط وأخاريط، وهو نبت، فكأنه إنما سمّي إقليما، لأنه مقلوم من الأرض التي تتاخمه، أي مقطوع، والقلم في أصل اللغة القطع، ومنه قلمت ظفري، وبه سمي القلم لأنه مقلوم، أي مقطوع مرّة بعد مرّة، وكلما قطعت شيئا بعد شيء فقد قلمته.
وقال محمد بن أحمد أبو الرّيحان البيروني: الإقليم على ما ذكر أبو الفضل الهروي في المدخل الصاحبي هو الميل، فكأنهم يريدون بها المساكن المائلة عن معدّل النهار. قال: وأما على ما ذكر حمزة بن الحسن الأصفهاني، وهو صاحب لغة ومعنيّ بها، فهو الرستاق، بلغة الجرامقة سكّان الشام والجزيرة، يقسمون بها المملكة، كما يقسم أهل اليمن بالمخاليف، وغيرهم بالكور والطساسيج وأمثالها. قال:
وعلى ما ذكر أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة، هو النصيب، مشتقّ من القلم بإفعيل، إذ كانت مقاسمة الأنصباء بالمساهمة بالأقلام مكتوبا عليها أسماء السهام كما قال الله تعالى: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ» ٣: ٤٤.
وقال حمزة الأصفهاني: الأرض مستديرة الشكل، المسكون منها دون الربع، وهذا الربع ينقسم
1 / 25