معاوية بن أبي سفيان
معاوية بن أبي سفيان
اصناف
وإما أن ينكروا تلك المثل العليا على أصحابها، ويتعصبوا لمن ينجح بأساليبهم أو يتمنوا النجاح بأساليبه، وذلك مطلب لا يكلفهم تغيير الطباع، وإن لم يبلغوه بفعالهم كما بلغه ذوو القدرة أمامهم من الناجحين الفعالين ... •••
وقد عرفنا من هؤلاء أناسا في التاريخ ما عرفناهم في الحياة الحاضرة.
عرفناهم فعرفنا عجبا من العصبية العمياء التي تكيل بالكيلين، وتزن بالميزانين في الحادث الواحد والحقبة الواحدة.
إذا وقفوا بين خصمين أحدهما من النفعيين، والآخر من المثاليين - رأيت العجب في المقياس الذي يلتمسون به المعاذير لهذا، وينكرونها على الآخر في اللحظة الواحدة ...
وتقول: «عمل من الأعمال لا يقدر عليه ولا يسعى إليه»؛ لأن هناك أناسا لا يقدرون على العمل المثالي، ولكنهم يسعون إليه، أو يتمنونه أو يحبون أن يؤمنوا بسعيهم إليه وتمنيه، وصبرهم على مشقة هذا السعي وهذه الأمنية ...
وليس هؤلاء بالنفعيين المطبوعين.
هؤلاء مثاليون تعوزهم القدرة، ولا يعوزهم الأمل في بلوغها ولا الغبطة بوجودها، وميولهم إلى جانب العظماء المثاليين أقرب وأغلب من ميولهم إلى جانب المنفعة الناجحة بالحيلة أو بكل وسيلة، والأمثلة من هؤلاء وهؤلاء كثيرة بين سواد الناس الذين لا يدخلون إلى ساحة التاريخ إلا شهودا أو مستمعين.
فلو كان محنة التاريخ كله من النهاز المأجور لما خفيت حقائقه هذا الخفاء، ولا طال العهد على الزيف، أو الغرض المموه بالأباطيل.
وإنما المحنة الشائعة من أولئك النهازين المتطوعين الذين يقبلون العملة الزائفة ويرفضون ما عداها، ويجاهدون من يكشف هذا الزيف ويقومه بقيمته الصحيحة ، ثم تكثر العملة الزائفة في الأيدي حتى ليوشك أن تطرد العملة الصحيحة، وتحيطها بالريبة والحذر، ولا ينفع المحك الناقد في هذه الحالة؛ لأن المحك الناقد لم يسلم قبلها من التزييف ... •••
وفي التاريخ الإسلامي مراحل كثيرة تصحح لنا موازين التاريخ التي يرتبط بها عرض الإنسانية، وربما كانت هذه المراحل أجدى على المؤرخ من غيرها في تواريخ الأمم؛ لأنها حاضرة الأخبار والروايات، حاضرة الأسباب والبواعث، ولا يخفى من شأنها غير النيات والمزاعم، وليس بالمؤرخ من تضلله النيات والمزاعم حين تشخص أمامه الأخبار والروايات، ولا تتوارى خلفها الأسباب والبواعث بحجاب كثيف ...
نامعلوم صفحہ