فجاء إلى أكثم فادّعاها، وسأله الإبل، فقال أكثم: حتى يأتيني رسولي.
فخرج من عنده مغضبا حتى أتى بني مجاشع وبني نهشل فقال: أتغلبني أُسيد على مالي؟ فخرجوا، فركبوا إليهم، فخرج إليهم أكثم في قومه، فردّهم.
وقال في ذلك:
أُنبئتُ أنَّ الأقرعين وخالدا ... أرادوا بأَن يستنقصوا عزَّ أَكثما
" ويروي: يستهضموا؛ وقيل: يستبعضوا "
فعضَّ بما أبقيت خواتن أُمِّهِ ... بعمدٍ أَرادوا أَن أُذمَّ ويغنما
" أي: ويغنم خالد ".
وزعموا أنه قال أيضا:
سأَحبسها حتَّى يبين سبيلها ... ويسرحها تحدي إِلى الحيَّ أَسلم
ويمنعها قومي ويمنعها يدي ... وجرداء من أهل الأفاقة صلدمُ
قال: أصاب النعمان أساري من بني تميم، فركب إليه وفودهم، وفيهم أكثم بن صيفي حتى انتهوا إلى النَّجف، فلما علوه أناخ أكثم بعيره، وقال لأصحابه: ترون خصيلتي؟ قالوا: رأينا ما ساءنا.
قال: قلبي مضغة من جسدي، ولا أظنَّه إلا نحل كما نحل سائر جسدي، فلا تتَّكلوا على في حيلة ولا منطق.
فقدموا الحيرة، فأقاموا نصف حول.
ثم شخص النعمان إلى القطانة، فأقام بها نصف حول.
فلما انفضت الوفود، ولم يبقى منهم إلا اليسير قام أكثم، فأخذ بحلقة الباب، ونادى:
يا حمل بن مالك بن أهبان ... هل تبلغنَّا ما أقول النعمان
إنَّ الطَّعام كان عيش الإنسان ... أهلكتني بالحبس بعد الحرمان
من بين عارٍ جائع وعطشان ... وذاك من شرِّ حباء الضِّيفان
فسمع النعمان صوته فقال: أبو حيدة وربّ الكعبة، ما زلنا نحبس أصحابه حتى تفحَّشناه.
ثم أذن لهم.
فلما دخلوا قال: مَرْحبًا بكم، سَلُوني ما شئتم إلا أُساري عندي.
فطلب إليه القوم حوائجهم؛ وأبي أكثم أن يسأله.
فقيل له: ما يمنعك؟ قال: قد علم قومي أني من أكثرهم مالا، وجئنا لأمرٍ قد نُهينا عنه.
فقال النعمان: ما أراهم إلا سيغنمون، وتخيبُ.
قال ذلك لهم ثلاثا، يقول النعمان مثل مقالته، ويقول أكثم مثل مقالته، ثم أذن له في الرابعة في القول.
فتكلم أكثم، فقال: " أَبَيتَ اللَّعْنَ، قد علم قومي أني من أكثرهم مالا، ولم أسأل أحدا شيئا، إن المسأَلةَ مِنْ أَضعف المكسَبَةِ، وقد تجوع الحرَّةُ ولا تأكل بثدييها، إن من سلك الجدد أَمن العثارَ، ولم يجر سالكُ القَصْدِ، ولم يعم على القاصد مذهبه، من شدّد نفَّر، ومن ترَاخَى تألَّفَ، والشرُ التَّغافل، وأحسن القول أوجزه، وخير الفقه ما حاضرْت به ".
فقال النعمان: سل حاجتك.
فقال: ناقتُكَ برحلها، وخلعتك، وكلُّ مكْروبٍ بالقطقطانة والحيرة عرفني.
قال: ذاك لك.
فركب ناقته في كُسْونه، ثم نادى، يا أهل السجن، إن النعمان قد جعل لي من عرفني.
قالوا: كلُّنا يعرفك، أنت أكثم بن صيفي.
ثم فعل مثل ذلك بالحيرة، فأخرجهم، ثم قال:
ثَوَيْنَا بِالْقَطَاقِطِ مَا ثَوَيْنَا ... وَبالْعَبْرَيْنِ حولا ما نَرِيمُ
وأُخبر أهلنا أَن قد هلكنا ... وقد أعيا الكواهن والبسومُ
وآسانا على ما كان أوس ... وبعض القوم ملحيٌّ ذميمُ
فقلت لهم، أيا قومي أبانت ... فكونوا النَّاهضين بها، وقوموا
بوفدٍ من سراة بني تميم ... إلى أمثالهم لجأَ اليتيمُ
فإنَّكم لأَن تكفوه أهل ... عليكم حق قومكم عظيم
وإنَّكمُ بِعقوة ذي بلاءِ ... وحقُّ الملك مكشوف عظيمُ
قال: وكتب ملك هجر، أو نجران إلى أكثم أن يكتب إليه بأشياء ينتفع بها، وأن يوجز.
فكتب إليه:
1 / 6