مصر کے جدید بانی کا دور محمد علی
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
اصناف
ولم يكن ثمة ما يدعو محمد علي إلى الاعتراف بالجميل؛ لأن الباب العالي إذا كان قد ظهر ثبات في موقفه فقد كان فقط في عدائه لوالي مصر؛ فلقد بدأ باتهامه بالتآمر مع بيكوات المماليك لتحقيق لباناته الشخصية وإنزال الأضرار بالدولة، فلما أرسل رءوسهم لتعلق على الأعمدة عند مدخل البوابة الكبرى لقصر الآستانة، وجه إليه الباب العالي أشد اللوم لإقدامه على قتل أخلص أنصار السلطان،
4
بل إن الباب العالي كثيرا ما طالبه أثناء كفاحه مع المماليك من أجل عرش مصر أن يتأهب لقمع حركة الوهابيين في بلاد العرب، ولكن كان محمد علي يعتذر في كل مرة لغاية سنة 1811م، بما قد يترتب من الخطر بسبب ترك «أولئك الزعماء المصريين البؤساء خلفه في مصر»، ويشير إلى ما يصلهم من التشجيع والمساعدة من باشا سوريا المجاور لهم، ويبالغ في مصاعب الحصول على السفن اللازمة للملاحة، ولنقل مهمات الحملة في البحر الأحمر؛
5
فإذا كان محمد علي قد قرر في النهاية أن يصدع بأمر الآستانة، وأن يطيع ما يشير به السلطان، فلم يكن ذلك باعثه مجرد العواطف الجوفاء كالطاعة أو الولاء؛ فلقد رأى ألا حرج عليه من القيام بالحملة المذكورة ضد بلاد العرب بعد أن دانت له الأمور واطمأن باله من ناحية المماليك، ثم إنه رأى من ناحية أخرى أن الحملة قد تشغل أولئك الجنود الألبانيين المشاغبين الذين أطلقوا عليه النار وهو لا يزال منهمكا في مكافحة المماليك، وقبل أن تتم له الغلبة عليهم؛ لذلك أحس أن وجود الجنود الألبانيين في مصر أثناء تغيب بقية الجيش في بلاد العرب قد يغريهم ويدفعهم إلى أعمال الشغب بعد أن خلا لهم الجو ولم يبق أمامهم من يضرب على أيديهم. وأخيرا، رأى في إخراج الوهابيين من الأراضي المقدسة ما قد يرفع من شأنه ويعلي من مكانته في كافة أنحاء العالم الإسلامي.
وكان أول ظهور المذهب الوهابي في بلاد العرب حوالي منتصف القرن الثامن عشر، فإن زعيم الجماعة محمد بن عبد الوهاب بعد أن أتم دراسته في دمشق وبغداد ولى وجهه شطر مكة وألقى عصار التسيار فيها، وهناك جعل ينعم البصر عن كثب في كيفية معيشة الحاج وعاداتهم، ولم يكن من شأن كل هذا إلا أن يقوي في نفسه الاعتقاد بأن الإسلام قد أغارت عليه البدع، وأفسدته التقاليد الجديدة ولا محيص له من العودة إلى ما كان عليه في عهد السلف الصالح من الطهارة والبساطة، ومن ثم شرع يشن الغارة على زخارف الحياة في عصره، ويذكر الناس في عبارات بليغة مؤثرة بأعمال الهدى كما نص عليها القرآن الكريم، ويبين لهم متى يمكن تسويغ الانحراف عن المرمى المقصود من المعاني القرآنية، وقد طفق يبشر بهذه المبادئ الطهرية في قريته من أعمال نجد. ولما لم يكن كبير الشأن في قريته التي كان فيها مسقط رأسه، ونظرا إلى أنه كان إلى ذلك الحين بمثابة نبي غير مسلح، فقد هاجر كما هاجر من قبله النبي محمد
صلى الله عليه وسلم
إلى حيث يستظل بحماية أمير الدارعية محمد بن السعود.
وسرعان ما اعتنق الأمير المبادئ التي كان يبشر بها محمد بن عبد الوهاب، وهكذا وجدنا في قلب نجد حكومة دينية متوحشة جعلت ديدنها شن الغارة وإعلان الحرب على جيرانها المسلمين الذين انحرفوا عن الدين بما ابتكروه من البدع. وقد سارعت الحكومة المذكورة إلى التنديد بالخلافة التركية، وبادرت إلى تحدي من يجاورها من باشوات الإمبراطورية العثمانية، وكان طبيعيا أن لا يجد المذهب الوهابي كبير مقاومة في حالة الضعف والوهن التي كانت فيها الإمبراطورية المذكورة وقتذاك، وقد ساوى الوهابيون في كرههم بين الشيعة والسنيين بانتهاك حرمة الأماكن التي يقدسها الفريق الأول في كربلاء والفريق الثاني في مكة والمدينة، ولم يتورعوا عن أن يقتلوا مئات المتعبدين والناسكين في داخل حرم الأماكن المذكورة.
وقد أحدث احتلال الوهابيين الحجاز رجة وأي رجة في أنحاء العالم الإسلامي، وكيف لا وقد ترتب عليه تعطيل حركة الحج السنوي إلى الأماكن المقدسة تعطيلا تاما؟! ففي سنة 1805م وكذلك في سنة 1806م اضطر الحج السوري أن يعود أدراجه إلى الشام دون أن يتمكن من الوصول إلى الحرمين؛ مما أدى إلى معاقبة باشا دمشق واستبداله بآخر. وفي الحق، لقد كان هذا العقاب في محله، فإن أموال «الميري» عن أراضي مديريتي دمشق وطرابلس الشام قد خصصت «بحسب الأساليب التركية في الشئون المالية» للقيام بما يستلزمه إرسال الحج الشامي إلى الحجاز وحمايته من النفقات. وكأنما رأى باشا دمشق أن الوهابيين كانوا للحجاز بمثابة نعمة جادت بها السماء عليه؛ لأن تعطيل الحج يمكنه بناء على ذلك من تحويل الأموال المذكورة إلى جيبه الخاص. ومن هنا لم يلاحظ على باشا دمشق هذا أنه قام بأي مجهود يذكر لإقلاق خواطر الوهابيين وإقصائهم من مكة والمدينة.
نامعلوم صفحہ