Modern Scientific Theories: Their Intellectual Journey and the Arab Westernized Thought's Approach - A Critical Study
النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية
ناشر
مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
پبلشر کا مقام
جدة - المملكة العربية السعودية
اصناف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة كتاب تأثير النظريات العلمية الحديثة
الحمد لله حمدًا يوافي نعمه، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخاتم رسله، وبعد، فإن علماء الإِسلام قد خلفوا لنا تراثًا علميًا ضخمًا، متعدد المناحي، وما يزال معظم هذا التراث مخطوطًا لم ير النور، ولم يتعرف عليه الباحثون، رغم ما فيه من المعاني الدقيقة والأفكار العميقة التي تخدم واقعنا المعاصر وتنير السبل لأمتنا في مجالات الفكر والتشريع والثقافة، ويقدر بعض الخبراء أن ما بقي مخطوطًا من تراث علماء الإِسلام يربو على ثلاثة ملايين عنوان، تقبع في زوايا المكتبات، وظلام الصناديق والأقبية، حتى إن بعضها لم يفهرس فهرسة دقيقة فضلًا عن النشر. فكان من المهم في هذه المرحلة أن تتجه الجهود لتقويم هذا التراث واستجلاء ما ينفع الناس منه في عصرنا، ثم العمل على تحقيقه ونشره.
وإن وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية بدولة قطر -وقد وفقها الله لأن تضرب بسهم في إحياء هذا التراث- لتحمد الله ﷾ على أن ما أصدرته من نفائس التراث قد نال الرضا والقبول من أهل العلم في مشارق الأرض ومغاربها.
والمتابع لحركة النشر العلمي لا يخفى عليه جهود دولة قطر في خدمة تراث الأمة منذ ما يزيد على ستة عقود، وقد جاء مشروع إحياء التراث الإِسلامي الذي بدأته الوزارة منذ ست سنوات امتدادًا لتلك الجهود وسيرًا على تلك المحجة التي عُرفت بها دولة قطر.
ومنذ انطلاقة هذا المشروع المبارك يسر الله جل وعلا للوزارة إخراج مجموعة من أمهات كتب العلم في فنون مختلفة تُطبع لأول مرة.
1 / 1
ففي تفسير القرآن الكريم أصدرت الوزارة تفسير الإمام العُليمي (فتح الرحمن في تفسير القرآن) وفي علم الرسم أصدرت كتاب (مرسوم المصحف للإمام العُقيلي) ونحن بصدد إصدار جديد متميز لـ (المحرر الوجيز لابن عطية) مقابلًا على نسخ خطية عدة.
وفي السُّنَّة أصدرت الوزارة كتاب (التوضيح شرح الجامع الصحيح لابن الملقن)، و(حاشية مسند الإمام أحمد للإمام السندي)، و(شرحين لموطأ مالك لكل من القنازعي والبوني)، و(شرح مسند الشافعي للإمام الرافعي)، و(نخب الأفكار شرح معاني الآثار للبدر العيني) إضافة إلى (صحيح ابن خزيمة) بتحقيقه الجديد المُتقن.
وأخيرًا صدر عن الوزارة كتاب (التقاسيم والأنواع للإمام ابن حبان) وكذا (مطالع الأنوار لابن قرقول)، وهما ينشران لأول مرة، وهناك مشاريع أخرى يُعلن عنها في حينها.
وفي الفقه أصدرت الوزارة: (نهاية المطلب في دراية المذهب للإمام الجويني) الذي حققه وأتقن تحقيقه عضو لجنة إحياء التراث الإِسلامي أ. د. عبد العظيم الديب -رحمه الله تعالى- وكتاب (الأوسط لابن المنذر) بمراجعة دقيقة للدكتور عبد الله الفقيه عضو اللجنة، وكتاب (التبصرة للخمي)، و(حاشية الخلوتي في الفقه الحنبلي)، وكتاب (الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان الفاسي)، وفي الطريق إصدارات أخرى مهمة تمثل الفقه الإِسلامي في عهوده الأولى.
وفي السيرة النبوية أصدرت الوزارة الموسوعة الإسنادية (جامع الآثار لابن ناصر الدين الدمشقي). وفي معتقد أهل السنة والجماعة أصدرت الوزارة كتابًا نفيسًا لطيفًا هو كتاب (الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد لابن العطار)، صاحب الإمام النووي -رحمهما الله-.
ولم نغفل عن إصدار دراسات معاصرة متميزة من الرسائل العلمية وغيرها فأخرجنا (القيمة الاقتصادية للزمن) و(نوازل الإنجاب) وفي الطريق -بإذن الله تعالى- ما تقر به العيون من دراسات معاصرة في القرآن والسنة، ونوازل الأمة.
واليوم يسر الوزارة أن تقدم لشداة العلم والمعرفة هذا الكتاب القيم (تأثير النظريات العلمية الحديثة في الفكر التغريبي المعاصر -دراسة نقدية في ضوء
1 / 2
العقيدة الإِسلامية للدكتور حسن بن محمَّد حسن الأسمري)، وهو دراسة علمية رصينة تعالج أثر النظريات العلمية الحديثة على المتغربين الذين يحيون مع الأمة بأبدانهم ومع أعدائها بقلوبهم وأفكارهم، ويسعون جاهدين في مصادمة حقائق الإِسلام وثوابته وعقائده وشرائعه بتلك النظريات التي أنتجتها عقول غربية في حالة من الخصومة الشديدة مع الدين وتسلط الكهنوت الكنسي.
فهذه النظريات عند نشأتها اختلطت بانحرافات كثيرة كان من أخطرها موقفها من الدين فدعت إلى الدفاع عن الإلحاد باسم العلم، وإقامة العلوم الحديثة مستقلة بنظرياتها ومناهجها عن الوحي، ردًا على محاربة الكنيسة للعلوم وتنكيلها بأهلها ورميهم بالكفر.
وذكر المؤلف أن تلك الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث بدأت تدخل إلى بلاد المسلمين في صور مختلفة، وأنها أحدثت صراعًا فكريًّا كبيرًا انقسم أصحابه إلى ثلاثة اتجاهات أساسية، مؤكدًا أنه لم يكن ثَمّ خصومة في يوم من الأيام بين الإِسلام وصحيح العلم والمعرفة.
وتأتي هذه الدراسة تصحيحًا للرؤية في مساقاتها المتعددة الفكرية والعلمية والدينية.
ولا يفوتنا التنويه بالجهود المتميزة لمركز التأصيل للدراسات والبحوث الذي يشرفنا التواصل والتعاون العلمي معه. ونشكر القائمين عليه ونسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياهم من المتعاونين في سبيل نهضة الأمة وتقوية بنيانها العلمي والفكري.
1 / 3
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإنه في العصر الحديث ما احتاجت الأمة ألزم ولا أوجب بعد تجديد أمر الدين مثل أهمية إصلاح أمر الدنيا، وذلك بالاستفادة من العلوم الحديثة، ومن فقه علماء الشريعة بذلك فقد جعلوها في درجة الواجبات ومن فروض الكفايات.
وإنه في العصر الحديث ما ابتُليت الأمة بشيء بعد ضعفها الديني والدنيوي بأسوأ من تيارات التغريب المختلفة، فقد أعاقت هذه التيارات نهضة الأمة الحقيقية، ولوثت الجو الفكري في العصر الأخير.
وقد التصق المتغربون بالغرب وثقافته، وشاركوا في نقل الثقافة الغربية إلى العالم الإِسلامي مع غيرهم ممن تبنى عملية النقل، ولكن التغريبي ركّز على الأمراض أكثر من تركيزه على النافع.
فقد عانت الأمة الإِسلامية في القرون الأخيرة من أمور كثيرة، وكان من
1 / 5
أشهرها مشكلتا الضعف والتخلف وآثارهما في أغلب مجالات الحياة ونشاطاتها، وصاحب ذلك اتساع دائرة الجهل بالدين، وانتشار الابتداع فيه، وتسلط أعداء الأمة عليها من الداخل والخارج.
وفي فترة ذلك الضعف العام للعالم الإِسلامي ظهر تقدمٌ كبير في الجانب الدنيوي في بلاد الغرب، وارتبط هذا التقدم بتطورات علمية مختلفة كان أبرزها علوم الطبيعة والرياضيات وما لحقها من تقدم تقني وصناعي، ولحق ذلك تقدم في مجالات العلوم المختلفة، ومنها العلوم الاجتماعية الحديثة مثل علم الاجتماع، وعلم النفس. . وغيرهما من العلوم.
بدأت الرغبة عند المسلمين في الإفادة من تلك العلوم لمسايرة المتقدم الموجود في العالم والاستفادة منها في حياتهم، ولكن هذه العلوم قد اختلطت بها أثناء نشأتها الحديثة انحرافات كبيرة كان من أخطرها موقفها من الدين الذي قد يصل بصور منها إلى الدفاع عن الإلحاد باسم العلم، والدعوة إلى إقامة العلوم الحديثة مستقلة بمناهجها ونظرياتها وتوجهاتها حتى لو خالفت الدين، وزاد من اتساع خطورة الأمر ارتباط بعض العلوم الحديثة المشهورة -غالبًا- بنوعين من العلماء: النوع الأول فئة من الملاحدة المنكرين للأديان حاولوا توجيه تلك العلوم إلى مسارهم الإلحادي، والنوع الثاني فئة اللا أدرية؛ فلا هم ينفون قضايا الدين ولا هم يثبتونها، وإنما يقفون موقف "اللا أدري"، مع أنهم في نشاطهم العلمي يتحركون دون مراعاة لأي أصل ديني، ثم زاد ضرر تلك الانحرافات -المرتبطة بحركة العلم الحديث- وخطرها عندما خرجت عن مجالها الحسي والتجريبي لتُطبَّق في مجالات أخرى ولاسيّما مجال الغيبيات.
ومما يؤسف له أن تلك الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث بدأت تدخل إلى بلاد المسلمين في صور وأشكال مختلفة، وأحدثت صراعًا فكريًا كبيرًا انقسم أصحابه إلى ثلاثة اتجاهات أساسية هي:
الاتجاه الأول: الاتجاه السلفي الذي يدعو إلى التأصيل الإِسلامي للنافع من هذه العلوم، وإلى نقد الضار منها وفق منهجية إسلامية شاملة، وكان من آثاره النشاط الكبير في أسلمة العلوم الحديثة الذي تتبناه جامعات هذا البلد المبارك في الأقسام العلمية المتخصصة، وتنشط فيه أيضًا جهات علمية وفكرية منتشرة في العالم الإِسلامي.
1 / 6
الاتجاه الثاني: الاتجاه العصراني الذي تأثر ببعض الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث وسلّم بعدد منها، ووقع في مشكلة ما يتوهمه من تعارض بين الدين والعلم الحديث، فاضطر أصحابه إلى تحريف النصوص الشرعية والقضايا الدينية من أجل موافقة العلم، ودعوا إلى مواصلة طريقة المتقدمين من أهل الكلام وغيرهم، فكما قدّم أهل الكلام العقل على النقل عند توهم التعارض، فقد تساهل هؤلاء في تقديم العلم الحديث على النقل وتأويل النقل عند توهم التعارض أيضًا.
الاتجاه الثالث: الاتجاه التغريبي وهو الاتجاه الذي تحمس لكل ما في الغرب أو أغلبه، بما في ذلك العلوم الحديثة ومناهجها ونظرياتها بما فيها من خير وشر، حتى تلك التي تتعارض بوضوح مع ديننا وعقيدتنا، ولم يفرقوا بين الصحيح منها والفاسد، ثم إن منهم من يرى أهمية إعادة النظر في الدين حتى يتوافق مع العلم الحديث، على أن المقدم عندهم هو العلم بلا منازع، وإنما جاء الاعتبار للدين عندهم من أجل تلبية احتياج الجماهير للدين أو أنّ الدين يخص الجانب الروحي والأخلاقي، وفيهم الغالي الذي يرى أهمية تجاوز الدين والاكتفاء بالعلم؛ لأنّ الدين -بزعمه- كان يمثل مرحلة الخرافة التي تمّ تجاوزها إلى عصر العلم.
وهذا الانقسام المشهور حول الموقف من العلم الحديث ومناهجه يكشف أهمية هذه المسألة في واقع المسلمين اليوم، وأهمية دراستها وبحثها.
العلاقة بين الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث والفكر التغريبي العربي المعاصر:
من يتأمل في واقع المسلمين اليوم يجد أنَّ من أبرز الانحرافات شهرة هو ظهور الانحراف الفكري المعاصر متمثلًا في دعوات ومذاهب فكرية تغريبية منتشرة هنا وهناك، ومن أهم أسباب ظهور الانحراف الفكري التأثر بالوافد الغربي بأشكاله المختلفة؛ ذلك أن الفكر العربي المعاصر تكون في ظل ظروف استثنائية مما مكّن لكثير من المؤثرات أن تسهم في تشكيله، ومن أهم تلك المؤثرات ما جاءنا من الغرب، ولا يخفى على أي باحث حجم ذلك التأثير الذي مارسه الوافد الغربي على الأمة الإِسلامية.
1 / 7
ومن يبحث في صور تأثير الوافد الغربي في الفكر العربي المعاصر يجد أن أهمها ما يلي:
١ - الفكر الغربي الحديث بمذاهبه المشهورة واتجاهاته الفلسفية الكثيرة.
٢ - الاستشراق.
٣ - الآداب والفنون الغربية ومدارسها المشهورة.
٤ - النظريات والمناهج والمفاهيم العلمية الحديثة.
فقد كان العلم في الغرب -أي: العلم المعتمد على المحسوسات والمعقولات- مصاحبًا للفكر والفلسفة منذ عصر الفلسفة اليونانية والرومانية إلى العصور الوسطى ثم عصر النهضة، وبدأت محاولات الانفصال في القرن الحادي عشر/ السابع عشر، ثم تحقق الانفصال في القرون الثلاثة الأخيرة، ولم يكن الانفصال عن الفلسفة فقط بل وقع انفصال عن الدين أيضًا بعد ظهور مشكلة الصراع بين الإيمان والعلم في الغرب، وفي ذلك يقول هاشم صالح: "ثم جاءت العصور الحديثة مع ديكارت، وانفرط عقد التحالف بين العلم والإيمان. . . . واشتد الطلاق بينهما في القرن الثامن عشر عندما صرح بعض فلاسفة التنوير بماديتهم الإلحادية. . . . وبلغ الطلاق ذروته في القرن التاسع عشر عندما حقق العلم انتصارات كبيرة. . . ." (١)، وقد جعل الغلاة منهم العلم إلهًا معبودًا جديدًا، وقد كانت هذه المرحلة فترة نشاط بعثات أبناء المسلمين إلى الغرب التي عرفت في القرن الماضي في عصر محمَّد علي والي مصر، وما زالت تلك البعثات مستمرة من أغلب بلاد المسلمين إلى اليوم، ولم يخلُ الأمر من تأثر بعض المبتعثين بتلك الروح المادية اللادينية التي ارتبطت بالانحرافات المنهجية العلمية المصاحبة لحركة العلم الحديث في الغرب، وأسهم بعض أولئك المبتعثين في نقلها إلى بلاد المسلمين بصور مختلفة.
وقد وجدت أن القسم الأخير -وهو التأثر بالنظريات والمفاهيم والمناهج العلمية المعارضة للأصول الدينية- كان بارزًا في الفكر التغريبي العربي المعاصر مع ندرة الدراسات التي تبحث في صور هذا التأثير وصور أخطاره وكيفية
_________
(١) العلم والإيمان في الغرب الحديث، هاشم صالح ص ٥ - ٦ كتاب الرياض عدد رقم (٥١).
1 / 8
مواجهته؛ لذا اخترته موضوعًا للبحث الذي أقدمه -بعون الله- للدكتوراه بعنوان:
تأثير النظريات العلمية الحديثة في الفكر التغريبي العربي المعاصر دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية
تبين مما سبق أن العلم في الفكر الغربي كان ضمن مباحث الفلسفة، ثم بدأ ينفصل عن الفكر الفلسفي مع بدايات العصر الحديث، وقد اختلط بمسيرته الجديدة بعد انفصاله عن الفلسفة بعض الأخطار التي مالت بمساره، والتصقت به على إثرها انحرافات خطيرة أصبحت سمة للفكر العلمي العلماني في الغرب، وأثّرت فيما بعد بمن أخذ بها من المسلمين، سواء من حرص على تلك العلوم لذاتها متأثرًا بما اختلط بها من انحرافات، أو من أراد استثمارها في تطوير الفكر "وهم المراد بهذه الدراسة"، وأصبحت هذه الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث أحد أبرز المؤثرات في انحراف مسيرة الفكر العربي المعاصر. فيكون الهدف -بإذن الله- من البحث: الدراسة النقدية لتأثير الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث ومناهجه ونظرياته في الفكر التغريبي العربي المعاصر في علاقته بالدين، إذ أجتهد -بإذن الله- في بحث سبب اتصال تلك الانحرافات بالفكر التغريبي العربي المعاصر، وصور تأثيرها فيه، وبيان خطورتها العقدية والعلمية والفكرية والعملية، فهذه الأهداف هي مدار اهتمامي وبحثي. ويمكن إرجاع صور الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث ذات الأثر في الفكر العربي إلى صورتين: الأولى: نظريات علمية مخالفة للدين، أو فلسفات وأيديولوجيات مبنية على تلك النظريات العلمية؛ والثانية: مناهج علمية تناسب مجالها الحسي التجريبي ولكنها طُبِّقت في غير مجالها مثل تطبيقها على الدين.
ومن أهم الأمثلة على انحرافات الفكر التغريبي العربي المعاصر في هذا الباب:
١ - الاستسلام لضغط النظريات العلمية في الموقف من الدين. ومن آثار ذلك تحريف النصوص الدينية عن مرادها والأصول الدينية عن معناها لكي تتوافق مع النظريات العلمية الحديثة، أو رفض تلك النصوص والأصول عند الغلاة والتكذيب بها. وقد اتسع التحريف عند بعضهم ليطال الدين كله، فشمل تأويل العقائد وتأويل الشرائع من أجل عدم معارضة العلم، وهذا الخضوع لضغط النظريات العلمية قد وقع فيه حتى من له معرفة بالشرع مثل المدرسة العصرانية
1 / 9
المتأثرة بأفكار الشيخ محمَّد عبده، وبعض قيادات العمل الإِسلامي ممن تأثر بالاتجاه العصراني، فضلًا عن غيرهم من رموز الفكر التغريبي.
٢ - تقديس العلم بصورته الحديثة، والغلو فيه بما فيه من خير أو شر، وجعله أهم المصادر، وهو مقدَّم عند المقدِّسين له على مصادر الدين، ووصل الأمر عند بعضهم إلى جعله المصدر الوحيد للمعرفة ورفض ما سواه، وللعلم عندهم -بمفهومه الحديث- الكلمة الفصل فيما اختلف الناس فيه، في تقليد لتيار العلموية الذي ظهر في الغرب، وهو تيار عرف عنه تحويل العلم إلى عقيدة جديدة.
٣ - نقل المناهج العلمية المناسبة للقضايا المحسوسة إلى مجال الغيب، وتطبيقها على أبواب الغيب والأبواب الشرعية، ويرون أنها أفضل من المناهج التقليدية بحسب زعمهم، وإذا كان العلم الحديث في الغرب نشأ مستقلًا عن الدين ومعاديًا -مع أكثر دعاته- لكل ما هو ديني فهذا يكفي دلالة على نوع تلك المناهج ووجهتها وطريقة تعاملها مع أي دين، وسنجد من يتحمس لذلك من المفكرين العرب المشهورين مثل حسن حنفي، فيقول مثلًا عن مسائل التوحيد بأنها أصبحت موضوعًا "لعلم النفس والاجتماع لتحديد نشأة الأفكار الدينية في ظروف نفسية واجتماعية معينة" (١)، وآخر منهم هو محمَّد أركون يقول: "ينبغي أن نطبق العلوم الاجتماعية أو العلوم الإنسانية على التراث الإِسلامي مثلما طُبِّق على التراث المسيحي في أوروبا منذ زمن طويل. . . ." (٢).
٤ - نقل النظريات العلمية ذات المعارضة البيّنة للإسلام إلى بلاد الإِسلام، ونشرها والتحمس لها والدعوة إليها، مثل الدعوة إلى أفكار النظرية التطورية الدارونية حول وجود الحياة وخلق الإنسان وما ارتبط بها من فكرة التطور، وعرض نظريات في علم الفلك والفيزياء الحديثة حول وجود الكون بطريقة العرض المادي العلماني لها، ونشر نظريات علم الاجتماع الديني التي غلب عليها عند مؤسسيها في الغرب اعتبار الدين ظاهرة بشرية اجتماعية إن لم نقل كلها، يتساوى في ذلك ما أتى به الأنبياء ﵈ من ربهم مع الديانات الوضعية
_________
(١) من كتابه: التراث والتجديد ص ١٤١.
(٢) قضايا في نقد العقل الديني ص ٣٢٦، ومن منهجه إدخال القرآن والسنة في التراث.
1 / 10
التي ابتدعها الشيطان وأتباعه، ونشر نظريات في علم النفس مثل نظريات فرويد وغيره التي تصوِّر التدين والعقائد التي فطر عليها البشر بأنه مرض نفسي نابع من اللاشعور نتيجة غرائز جنسية بما في ذلك الإيمان بوجود الله، وأن الأنبياء ﵈ جميعًا مصابون -كما يقول فرويد- بنوع من العصاب يدفعهم إلى ادعاء تلقي الوحي والاتصال بالله تعالى، ومن علم الأنثربولوجيا نظريات حول نشأة الأديان في المجتمعات والشعوب البدائية ثم تطورها عند الشعوب الكتابية، غير مفرِّقين في ذلك بين دين نزل من السماء أو أديان وثنية أوحى بها الشيطان لأتباعه، ونظريات من علم الاقتصاد الحديث تدَّعي استحالة قيام اقتصاد حديث دون ربا، ولذا يرفضون الحكم الديني حول الربا؛ لأنه يتعارض مع علم الاقتصاد، بل حتى في علم الأخلاق نجدهم يرفضون الأخلاق الدينية ويستبدلون بها أخلاق علمية مصدرها العلم وتتوافق معه كما يزعمون.
هذه وأمثالها تمتلئ بها كتب رموز فكرية عربية تغريبية بصورة أو أخرى، وتُنشر بقوالب فكرية وثقافية متنوعة بعد إخراجها من بيئتها التخصصية إلى بيئة الفكر والثقافة وتطبيقها على الدين الإِسلامي.
٥ - بناء أصول فكرية جديدة مستمدة من الفكر العلمي الحديث تتعلق بتصور الكون والحياة والنفس الإنسانية، وتتعارض مع الدين أو معظم أصوله.
٦ - الحرص على علمنة العلم، بداية بالجهود الفكرية التي تؤصل لذلك، وصولًا إلى النشاط الواقعي لتحقيق هذا الهدف بحجة أن العلم لا يتطور إلا بابتعاده عن الدين وضوابطه.
٧ - تقرير دعوى التعارض بين الدين والعلم التي اشتهرت في الغرب، ونقلها إلى العالم الإِسلامي، ونشرها بصور وأشكال مختلفة، والتركيز عليها في أغلب الخطابات الفكرية التغريبية المعاصرة، ثم استغلال فكرة التعارض في رمي الدين بشتى صنوف التهم بحجة عدم علميته وعقلانيته، ثم رفع دعوى أهمية تأويله أو نبذه.
٨ - ظهور دعوات واتجاهات عربية جديدة تتبنى تقديم الرؤية العلمية مكان الرؤية الدينية: يعتني أصحاب تلك الدعوات بالدعوة إلى العلم والنظرة العلمية والمناهج والمفاهيم العلمية دون تفريق بين الصحيح منها والفاسد، ويدعون أيضًا إلى النظرة العلمية للأديان والمجتمعات والحياة، وهم من يُطلق عليهم أحيانًا
1 / 11
دعاة الفكر العلمي، يقدمونه بمادته الإلحادية وروحه العلمانية، واشتهر هذا الاتجاه في بدايات القرن عند مجموعة من النصارى مثل فرح أنطون، وشبلي شميل، وسلامة موسى، ثم أخذ به بعض المسلمين مثل إسماعيل مظهر وصولًا إلى زكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا. . وغيرهم.
فهذه الأمثلة هي أصول عند طائفة من المتغربين كانت -وما تزال- مرتبطة بالانحراف المصاحب لحركة العلم، وأثر هذه الأصول في رموز الفكر التغريبي المعاصر كبير، وهذا يُبرز أهمية دراسة مثل هذه الظاهرة الفكرية.
أهمية الموضوع:
تبرز أهمية الموضوع في النقاط التالية:
١ - بيان خطورة الانحراف العقدي الناتج عن التأثر ببعض النظريات العلمية الباطلة، ومن صوره المشهورة:
- زرع الشُبَه والشكوك حول أبواب العقيدة.
- تأويل العقائد التي لا تتوافق -بزعمهم- مع النظريات العلمية.
- هجر الأصول العقدية، أو نبذها واستبدال نظريات علمية بها.
٢ - خطورة نشر دعوى التعارض بين الدين والعلم الحديث، أو بين الأصول العقدية والنظريات العلمية، وللاتجاه التغريبي نشاط في استثمار هذه الدعوى للانتقاص من شأن الدين وأصوله.
٣ - ما يمثله العلم الحديث من فتنة في هذا العصر عند كثير من الناس، إذ يختلط فيه الحق بالباطل عندهم، فهم يظنّونه على درجة واحدة فلا يعلمون الفرق بين الصحيح منه والباطل، ولذا يتأثرون ببعض الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث جهلًا بها، ولاسيّما مع انتشار الجهل بالعلم الشرعي في كثير من بلاد المسلمين، وعندما يأتي أصحاب الفكر المنحرف من باب العلم الحديث ونظرياته فإنهم ينجحون في نشر ما يريدون لتمسحهم بالعلم والكشوفات العلمية.
٤ - يحرص رموز الفكر التغريبي العربي المعاصر على بيان أهمية إدخال الروح العلمية الغربية العلمانية إلى العالم الإِسلامي وتطبيقها على الدين والتراث والمجتمع، ثم بدأت مشروعاتهم الفكرية تتوالى في دراسة التراث الإِسلامي مدَّعين استخدامهم منهجيات علمية متطورة يفضلونها على المناهج الإِسلامية المعهودة،
1 / 12
وقد اختلطت بهذه الروح العلمية مشكلات منهجية خطيرة مثل إهمال الوحي مصدرًا للمعرفة، واعتماد الحس معيارًا أساسيًا للمعرفة، والاتكاء على الموضوعية للتخلص من أي اعتقاد سابق ولو كان ذلك الاعتقاد هو الاعتقاد الحق.
٥ - تبنّي أغلب المذاهب الفكرية الدعوة إلى العلم الحديث دون تحديد لمفهوم العلم، فيدخل فيه العلم وأشباه العلم والانحرافات المرتبطة به، فلا يُفرَّق بين علوم نافعة وبين نظريات إلحادية أو مناهج غير مناسبة لمجال آخر غير مجالها الحسي، من ذلك دعوة أحد المعاصرين إلى إدخال كل ذلك في جميع المراحل الدراسية من الابتدائية إلى الجامعية؛ لأن التعليم -بزعمه- "لا يزال ينقصه الحدّ الأدنى من النظرة العلمية والانفتاح على المنهجيات الحديثة. . . .". . إلى قوله: "انظر الوضع المخيف لكليات الشريعة والمعاهد الدينية التقليدية هناك حيث لا يزال السياج العقائدي المغلق يتحكم بالعقول كالسجن. . . ."، ويؤكد حاجة هذه المعاهد إلى العلوم الحديثة، ويرى أن التدين المنتشر اليوم في العالم الإِسلامي مصدره أصول الدين والفقه القديمة التي لم تُراجَع في ضوء العلوم الاجتماعية الحديثة إذ ما زالت تُدرَس بصورتها القديمة في كليات الشريعة. فمثل هذه الحملات على الإِسلام وعلومه تُقام باسم العلم الحديث ومناهجه دون تفريق بين الحق والباطل (١).
٦ - زاد من خطورة الأمر وقوع مجموعة من الخيِّرين في خطأ منهجي، فهم يريدون الدفاع عن الدين، والجمع بينه وبين العلم الحديث، فتكلّفوا في ذلك تكلفًا قد يكون ضرره أكثر من نفعه، فخرجت كتب كثيرة تدور حول: الإِسلام والعلم، والعلم في القرآن. . . . وما شابهها، وتحمسوا للدفاع عن الإِسلام بإرجاع كثير من النظريات والأفكار العلمية إلى النصوص الدينية، وموقفهم هذا هو من ردود الفعل ضد انحراف تيار العلم التغريبي، ولعل من أبرز أسباب ظهوره هجمة التيار التغريبي على الدين، وادعاء مخالفته للعلم الحديث، ولذا كان من المهم التوقف النقدي مع هذه الظاهرة.
٧ - أهمية إزالة الهالة التي يتدرّع بها الفكر العربي التغريبي، فهو ينسب أصوله الفكرية إلى العلم، ويدَّعي العلمية لمناهجه؛ لأنها تمثل العقل العلمي
_________
(١) انظر: قضايا في نقد العقل الديني، محمَّد أركون ص ٢٦٧ وص ٣٢٩.
1 / 13
الحديث، ويدَّعي لفكره التوافق مع العلم، بينما الحقيقة أن تلك الأصول العلمية التي أسس عليها فكره أصول فاسدة وبعيدة عن العلم ومضادة للدين، ولكن من باب التلبيس يكثرون من ذكر العلماء والنظريات العلمية ومصطلحات العلم ليُخيِّلوا للناس علمية فكرهم.
فهذه قضايا توضح أهمية الموضوع، وقد دفعني ذلك إلى اختياره موضوعًا للبحث أقدمه رسالة دكتوراه، راجيًا من الله العون والتوفيق والسداد والهداية.
أسباب الاختيار:
١ - ما وجدته من أهمية كبيرة لهذا الموضوع.
٢ - ندرة الدراسات حول هذا الموضوع في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة رغم أهميته.
٣ - ما ظهر لي من أساليب التلبيس عند الاتجاه التغريبي في هذا الميدان، إذ يتمسحون بالعلوم الحديثة في تأكيد أصولهم الفكرية مع أنها في الحقيقة تلبيسات وأباطيل، ولذا فهي تحتاج إلى كشف وبيان ونقد حتى لا يُغترّ بها.
٤ - ضرورة وجود بحوث شرعية تبين الفرق بين العلوم النافعة وحدود مناهجها من جهة، ومن جهة أخرى ما ارتبط بهذه العلوم من نظريات مادية أو تطبيقات غير منهجية على أبواب لا تناسبها تلك المناهج لاسيّما مع كثرة من يحتك بتلك العلوم.
٥ - هذا الموضوع يخدم مجال تخصصي "العقيدة والمذاهب المعاصرة" فإن فيه الدفاع عن عقيدة أهل الإِسلام، والرد على من يستثمر الانحرافات المتصلة بحركة العلم الحديث للطعن في الدين.
أهداف الموضوع:
١ - جمع أبرز صور التأثر بالنظريات العلمية عند الاتجاه التغريبي ذات الصلة بموقفهم من الدين.
٢ - كشف أسباب الانحرافات التي صاحبت تطور العلم الحديث، وأسباب تأثر الاتجاه التغريبي بتلك الانحرافات.
٣ - بيان خطورة تطبيق نظريات علمية باطلة أو مناهج مرتبطة بها على الدين من الناحية العقدية والشرعية والمنهجية.
1 / 14
٤ - الدراسة النقدية لما ظهر من انحرافات في الاتجاه التغريبي بسبب تأثره بهذه النظريات أو استثماره لها في خدمة غاياته وأهدافه العلمانية.
٥ - إبراز الموقف الشرعي من العلم الحديث ونظرياته ومفاهيمه ومناهجه.
الدراسات السابقة حول الموضوع:
لقد اجتهدت أثناء التخطيط للموضوع أو أثناء البحث فيه في جمع كل ما له صلة بالبحث، فلم يتيسر لي الحصول على كتاب في المكتبة العربية يتناول المشكلة التي أريد بحثها ويعالج القضية نفسها التي أنوي معالجتها بإذن الله، وقد توجد كتب فيها عناصر ترتبط ببحثي لكنها لا تتناول ما أتناوله من الجهة نفسها، بل تُركز على جهة أخرى، ومما وجدته من دراسات حول الموضوع ما يلي:
أولًا: الكتب الإسلامية التي تكون بعنوان:
الدين والعلم، أو القرآن والعلم، أو الإِسلام والعلم، وما في معناها وبابها، وهي كتب كثيرة يصعب حصرها، وقد انتشرت في السنوات الأخيرة بشكل ظاهر، ولاسيّما بعد دعوات التأصيل الإِسلامي للمعرفة. وهذه الكتب تُركّز على قضية عناية الدين الإِسلامي بالعلم بما في ذلك صورته الحديثة، أو تبرز صورًا من العلوم الحديثة لها أصلها في الإِسلام، ولكنها لا تتناول بشكل أساسي أثر الانحراف المصاحب لحركة العلم الحديث في الفكر التغريبي؛ لأن هدف مؤلفيها -في الغالب- إثبات مكانة العلم في الإِسلام لا آثاره على الفكر، فما يأتي من فقرات حول التغريب والعلمانية يأتي تبعًا ودون قصد. ولكن هذه الكتب لها فائدتها في إبراز مكانة العلم في الإِسلام، والتأكيد على عدم وجود مشكلة بين الدين والعلم من المنظور الإِسلامي كما وقع في أوروبا النصرانية، كما أن في بعضها مناقشات للاتجاهات المادية الغربية التي استغلت العلم الحديث ونظرياته في تأصيل رؤيتها المادية.
ومع ذلك توجد -في كثير منها- مشكلة التوسع في بابين اشتُهرا في الدراسات المعاصرة هما: التفسير العلمي للنصوص الدينية، والإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، فهذا التوسع يعيق الاستفادة العلمية من هذه الدراسات؛ ذلك أن على الباحث أن يتأكد أولًا من صحة أقوالهم قبل الاستشهاد بها.
ومن بين الكتب الثرية بالمعلومات حول هذا الباب -مع الاختلاف مع
1 / 15
صاحبه في باب توسعه المذكور آنفًا -كتاب "الإشارات العلمية في القرآن الكريم بين الدراسة والتطبيق" للدكتور "كارم السيد غنيم".
أما حول الباب عمومًا فتوجد كتب مثل: "الإِسلام والعلم" لأحمد غراب، "الإِسلام والعلم الحديث" لعبد الرزاق نوفل، وله أيضًا كتابا "بين الدين والعلم" و"السنة والعلم الحديث"، و"الدين والعلم الحديث" لإبراهيم محمَّد عبد الباقي، و"الإِسلام بين العلم والدين" لشوقي أبو خليل، و"الإِسلام في عصر العلم" لمحمد الغمراوي، و"الإِسلام والعلم التجريبي" ليوسف السويدي، و"العلم والدين" لأحمد عروة، و"الإِسلام في عصر العلم" لمحمد فريد وجدي. . . . وغيرها.
ثانيًا: الكتب التي تناولت بعض موضوعات البحث:
يوجد فصلان من فصول البحث تناولتها كتب أخرى لكن من زاوية مختلفة عن مرادي، والفصلان هما: "دعوى أهمية علمنة العلم ورفض التأصيل الإِسلامي للعلوم" و"دعوى التعارض بين الدين والعلم وإبطالها"، فأغلب من كتب في العلمانية تناول هذين الفصلين بصورة أو أخرى، مثل كتاب "مذاهب فكرية معاصرة" لمحمد قطب، و"العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإِسلامية المعاصرة" لسفر الحوالي، و"تهافت العلمانية" لعماد خليل. . . . وأمثالها من الكتب المعاصرة فضلًا عن الكتب التي وردت في القسم الأول، فقد وجدتُ فيها مادة ثرية حول خطورة علمنة العلم ومناقشة دعوى التعارض المزعومة، إلا أنها لا تبحث هذه المسائل في صورتها عند المفكرين العرب المعاصرين، فلا تعتني مثلًا بمن قال بها منهم، وصُوَر عرضهم لها، وصور تأثرهم بالنماذج الغربية، وتسلسلها التاريخي، وغير ذلك مما أنوي التركيز عليه في البحث؛ لأنّ مدار بحثي سيكون عن تأثير الانحراف العلمي الحديث في الفكر التغريبي العربي المعاصر، لذا أبحث موضوعي الفصلين من هذه الزاوية خاصّةً، وهو ما لم أجده في البحوث السابقة، ولكنها -دون شك- ستكون مفيدة لي في جانب الردود العامة.
ثالثًا: "منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير" وهي رسالة علمية مطبوعة لفهد الرومي:
تناول المؤلف فيها منهج تلك المدرسة في التفسير، وذكر أنَّ من أسباب
1 / 16
انحراف منهجهم وكثرة تأويلاتهم التأثر بالنظريات العلمية الحديثة وذلك ضمن مؤثرات أخرى، ومن أهم الفروق بين هذه الرسالة وبحثي:
١ - أنه اعتنى بالمدرسة العصرانية وجعلها مدار بحثه واعتنى بروَّادها مثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، ومحمد وجدي، ومحمود شلتوت، وأحمد المراغي. . . .، وهي نموذج للتأثر، ولكني لا أقصدها بالدراسة بقدر ما أقصد نموذجًا آخر أكثر شهرة في تأثره بتلك النظريات والمناهج وهو الاتجاه التغريبي.
٢ - أن أثر الانحراف المرتبط بحركة العلم الحديث كان جزءًا من بحثه يتناوله بحسب الحاجة، أما مدار بحثي فيظهر -من خلال الخطة- شموله لأهم صور الفكر التغريبي.
٣ - أن الباحث تناول تلك الفئة من جهة التفسير، أما في بحثي فسيكون تناولها من جهات أخرى أهمها جهة العقيدة وجهة الفكر، وذلك في فقرة مخصصة لها.
وكذلك ما يدور في فلك هذه الدراسة من كتب وبحوث حول الاتجاه العصراني فإن التناول فيها يكون من منظور أوسع من منظوري المتخصص في أثر الانحراف المنهجي العلمي على الفكر، مع اختلاف الاتجاه الفكري الذي أدرسه، ومن أمثلة تلك الكتب والبحوث "مفهوم تجديد الدين" لبسطامي محمَّد سعيد، "والعصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب" لمحمد أحمد الناصر. . . . وما في بابها، ومن ذلك أيضًا البحوث الجامعية العلمية حول العقلانية المعاصرة، وتركز غالبًا على العصراني منها.
رابعًا: الكتب التي تدور حول الفكر العربي المعاصر ومذاهبه:
توجد في الساحة العلمية والثقافية كتب كثيرة حول الفكر العربي المعاصر ومذاهبه، إلا أنها من النادر أن تتحدث عن محور اهتمامي وهو تأثر هذا الفكر بالنظريات والمناهج والمفاهيم العلمية الحديثة، ومن الكتب المشهورة في ذلك: "الفكر الإِسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي" لمحمد البهي، وثلاثة كتب لمحمد محمَّد حسين وهي "الإِسلام والحضارة الغربية"، و"حصوننا مهددة من داخلها"، و"الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر"، ومجموعة من كتب المفكر
1 / 17
جمال سلطان. . . .، وهكذا أغلب الكتب الحديثة عن الفكر المعاصر فهي إن تناولت الفكر ومذاهبه فإنها تربطه بالتيارات الفكرية المشهورة في الغرب وهي أحد المؤثرات الأربعة الغربية المشهورة التي سبق ذكرها، أما عن تأثير الجانب العلمي فما وجدت كتابًا منها تناوله بالصورة التي رسمتُ خطتها أو قريبًا منها، وكذلك الرسائل الجامعية العلمية المختصة بالمذاهب المعاصرة التي أمكنني الاطلاع عليها.
خامسًا: الكتب المتخصصة في مشكلة البحث:
وغالب ما وجدته في هذا الباب يكون دراسة متخصصة لمفكر اهتم بالفكر العلمي أو نظرياته أو فلسفته. وهذا النوع هو الأقرب إلى مشكلة بحثي، وقد وجدت الدراسات الآتية:
١ - "الإِسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة" للدكتور يحيى هاشم فرغل، وهو كتاب مميز في هذا الباب، تناول مؤلفه مشكلات في صلب البحث مثل النظريات العلمية "ولاسيّما نظرية التطور"، والمفاهيم العلمية التي انحرفت بها الاتجاهات المادية مثل القوانين الطبيعية، والحتمية، والصدفة. . . . وغيرها، وناقش دعوى توسيع المنهج العلمي ليشمل مجالات غير حسية. . . . وغيرها من المباحث المهمة.
إلا أنه في باب التغريب توقف مع إسماعيل مظهر وعلاقته بالنظرية التطورية والمنهج العلمي وقانون الأحوال الثلاث لكونت، وتوقف مع بعض المقالات من مجلة "المقتطف"، وغلبت على بحثه مناقشة المشكلة العلمية بوضعها الغربي المادي والعلماني، دون أن تكون له عناية بدراسة تأثيرها على الاتجاه التغريبي إلا مع إسماعيل مظهر.
٢ - "أصل الإنسان بين العلم والفلسفة والدين" للدكتور سامي عابدين، وهو كتاب تناول مسألة واحدة من مشكلات العلم الحديث هي نظرية التطور وأبعادها في الفكر العربي بكل مدارسه، ويمتاز الكتاب بأنه جمع أغلب ما كُتب في هذا الباب منذ دخول النظرية إلى الساحة العربية في الكتب والمجلات، فهو ثري بالمعلومات والشواهد والاستقصاء لكل ما قيل في الباب، فالهدف الأبرز فيه هو جمع الشواهد ويأتي النقد بعده في المرتبة، فهو قد قَصَر عمله على نظرية واحدة، وقد أفدت منه في بابها.
1 / 18
٣ - "علماء الاجتماع وموقفهم من الإِسلام" لأحمد إبراهيم خضر، وهو من الكتب المشهورة في كشف انحرافات الاتجاه التغريبي في ميدان علم الاجتماع، إلا أنه اكتفى بتجربته الشخصية التي تمتد في هذا الميدان لأكثر من ثلاثين سنة بحسب مقدمته، وكانت أغلب شواهده من كتاب واحد جمع المتغربين في هذا الميدان بعنوان "الدين في المجتمع العربي -ندوة"، وقد استفدتُ منه في قسم علم الاجتماع، وقمتُ بتتبع الأمر من خلال أمثلة أكثر في هذا الميدان.
٤ - "منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية" لمحمد محمَّد أمزيان، وهو من البحوث المميزة في هذا الباب، ويمتاز صاحبه بتخصصه الاجتماعي مع نقده لوضعية علم الاجتماع العلمانية في البيئة الغربية ونقد بعض النماذج العربية المقلِّدة، وهو أوسع وأشمل وأكثر علمية من الكتاب السابق، ونقطة الاختلاف معه محدودة وهي في هدف البحث، فهدفه هو علم الاجتماع عمومًا في الغرب والشرق، أما هدف بحثي فهو دراسة فكر المتغربين العرب في ميدان علم الاجتماع فضلًا عن غيره من الأبواب.
٥ - "أبحاث ندوة علم النفس" لمجموعة متخصصين في علم النفس، ففي بعض الأبحاث مناقشة لبعض آثار النظريات النفسية على باحثين عرب، ولاسيّما بحث "نحو وجهة إسلامية لعلم النفس" للدكتور فؤاد أبو حطب، وقد ساعدتني أفكار الكتاب في بحثي في هذا الباب، ومع ذلك فهي وقفات مختصرة غير مقصودة في الأساس.
٦ - "موسوعة الجندي" لأنور الجندي، وهي موسوعة كبيرة تجمع كل كتبه، وفيها جهد ضخم حول التغريب، وقد يكون هو الأوسع في المكتبة العربية، وقد جاءت متنوعة وشاملة لكل المجالات بما فيها علاقة هذا الاتجاه بالعلم الحديث ونظرياته ومناهجه، إلا أن المتعب فيها أنها لا تأتي في باب واحد أو مخصص للموضوع، وإنما تأتي في سياق نقاش قضايا أخرى، وقد أفادني، ولاسيّما في شأن واقع المشكلة في مصر.
٧ - "الفكر الديني عند زكي نجيب محمود" للدكتورة منى أحمد أبو زيد، وهو كتاب يتناول بالدراسة شخصية مهمة في مجال فلسفة العلم ونظرياته ومناهجه، وفي الوقت نفسه تأثَّر بالعلمنة والتغريب، مما جعله يتعامل مع فلسفة العلم من منظور علماني، ولاسيّما في فترة تحمسه للوضعية المنطقية. وتأتي
1 / 19
أهمية الدراسة في أنها تبحث فكر زكي محمود من خلال الجانب الديني وعلاقته بفلسفته العلمية. وقد كانت الدراسة مفيدة لي في استقصاء مواقف المفكر، ولكن الاختلاف بين منهجي ومنهج البحث السابق هو في الرؤية، ففيه رؤية متحمسة لفكر زكي محمود وتأخذ بموقفه العلماني بخلاف رؤيتي.
٨ - "الفلسفة النشوئية وأبعادها الاجتماعية -قراءة في تجربة شبلي الشميل الفلسفية" للدكتور محمود المسلماني، وهذه الدراسة في السياق السابق نفسه، فهي دراسة علمية حول شخصية اهتمت بالعلم وفلسفته ونظرياته ولاسيّما في جانبها الداروني المادي، وهو رمز تغريبي بارز، وتمتاز هذه الدراسة بجانبها العلمي، ومع ذلك فهي تتبنى رؤية شبلي شميل التغريبية وإن بشكل مخفف فالشر دركات، وقد أفادني هذا البحث في اكتشاف العلاقة بين النظريات العلمية والرؤية المادية من خلال نموذج عربي، ونفترق بعد ذلك في التصور والمنهج والغاية، فالمؤلف يدرس تلك التجربة مؤيدًا لها، بخلاف مسار بحثي الإِسلامي.
٩ - "سلامة موسى بين النهضة والتطوير" للدكتور مجدي عبد الحافظ، وهو كتاب يتناول أحد المتغربين المشهورين وأحد المتحمسين للنظريات العلمية بكل أبعادها المادية، وهو جزء من بحثٍ علمي، وقد أعطاني هذا البحث ما أعطاني البحث السابق أيضًا، ومسار الباحث مسار علماني تغريبي، ولكنه اعتنى بإبراز مشكلة العلاقة بين الفكر التغريبي والنظريات العلمية.
١٠ - "العلمانية من منظور مختلف" للدكتور عزيز العظمة، وهذا الكتاب لمؤلف علماني يدافع عن العلمانية بكل قوة، وقد جمع في بحثه كل شذوذ الفكر التغريبي مع تقديمه على أنه النموذج العقلي والعلمي ضد الفكر الديني الغيبي الخرافي، وقد جمع فيه ما ينتسب إلى العلم الحديث ونظرياته ويركز فيه على ما يعارض الدين. وقد وجدتُ فيه شواهد وأمثلة كثيرة في الباب، ولكن شتان بين من يسير نحو الغلو التغريبي وبين بحثٍ إسلامي.
منهج البحث:
أما عن منهج البحث في هذا الموضوع، فسأحاول -بإذن الله- السير وفق المنهجية التالية:
١ - الاستفادة من المنهج التاريخي الاستقرائي: أجتهد -بإذن الله- في تتبع
1 / 20
هذه الظاهرة من بداياتها حتى شهرتها وتحولها إلى تيارات فكرية، مع استقراء أهم صور انحرافات الفكر التغريبي المرتبطة بحركة العلم الحديث وآثارها ورصدها، وذلك من خلال استقراء كتابات المشهورين من معتنقي ذلك الفكر ودعاته، ثم جمعها وترتيبها بالصورة المناسبة لفهمها من جهة، ولتوجيه الدراسة النقدية إليها من جهة أخرى.
٢ - استخدام المنهج النقدي: بعد كشف الآثار -صورها وخطورتها- أوجِّه ما يكون مناسبًا من صور النقد لتلك الآثار، بحيث يشمل النقد بيان خطأ تلك المزاعم أو تناقضها أو تلبيسها، والحكم الشرعي فيها وفق منهج أهل السنة والجماعة -بإذن الله-.
٣ - تحقيق خدمات البحث المعهودة وأهمها:
١ - عند ورود آية فإني أذكر اسم السورة ورقم الآية.
٢ - عند ورود حديث أجتهد في تخريجه من كتب السنة، وأما فيما يخصُّ الحكم عليه: فإن كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، وإن كان في غيرهما اجتهدت في البحث عن حكم العلماء عليه بعد تخريجه.
٣ - توثيق الشواهد: أوثقها من مصدرها ذاكرًا اسم الكتاب ثم المؤلف ثم الصفحة، وإن كان الشاهد كما هو ذكرت المرجع والصفحة مباشرة، وإن كان فيه تصرف فإني أوضح ذلك بحسبه، فإن كان يسيرًا قلت: "انظر"، وإن كان غير يسير فإني أنصّ على ذلك.
٤ - التعريف بالأعلام الوارد ذكرهم في البحث، مركزًا على تاريخ ولادته ووفاته وأهم ما اشتُهر به ولاسيّما ما يرتبط بالبحث، وقد جمعتهم في ملحق في نهاية البحث.
٥ - التعريف بالفرق والمذاهب والتيارات وما في بابها، وقد جمعتها في ملحق في نهاية البحث.
٦ - التعريف بالمصطلحات والكلمات الغريبة وما في حكمها تعريفًا موجزًا، وقد جمعتها في ملحق في نهاية البحث.
٧ - وضع الفهارس المناسبة للبحث.
٨ - وضع مراجع البحث ومصادره.
1 / 21