ومتى رأيتم العالم هواه غالب على عقله، ينتصر لنفسه في الباطل، ويخذل غيره في الحق فاتهموه على علمه ، ولا تقلدوه حتى تظهر لكم الحجة الصحيحة على فتياه، وبالله التوفيق والمستعان، وهو أعلم.
فصل
وأما ميزان استقامة طريق شيخ السلوك، فهو أن يكون عالما بأمر الله ونهيه، مما يلزم علمه والعمل به ، دون علم النكاح والطلاق واللعان وغيره من الأحكام العامة، فإن اتسع لذلك كان أكمل لمرتبته، وأعلى لحاله، وأن يكون عاملا بعلمه، واقفا عند حدوده ، ليس للشريعة عليه مطالبة، لا في ظاهره، ولا في باطنه. قد أحكم شيئين هما ركنا الطريق، وعليهما تبنى قواعده، الأول : التقوى، والتقوى هو: معنى عام في كل قول وفعل وخاطر، قد أحكم هذا الأستاذ تقوى الله تعالى في لسانه، فلا يتكلم بما حرمه العلم أو كرهه، واتقى الله تعالى في عينيه ، فلا ينظر إلى ما حرمه العلم أو كرهه، واتقى الله تعالى في سمعه فلا يسمع ما لا يحبه الله، ولا ما يكرهه، واتقى الله تعالى في بطنه، فلا يدخله من الطعام إلا ما أحله العلم، ويجتنب ما حرمه العلم، أو كرهه، واتقى الله تعالى في يديه ورجليه، فلا ينقلهما ولا يحركهما إلا إلى ما يحب الله ويرضاه، ولا ينقلهما إلى لهو ولعب وباطل، وفي الجملة فلا يحرك جوارحه إلا فيما يرجو ثواب الله عليه، وفيما يأمن فيه عقابه بمقتضى العلم وحده، ثم تصل تقواه من ظاهره إلى باطنه، فيبقى الله تعالى في الخطرات والوساوس، والهم والعزائم والمقصود حتى يحرس قلبه من جميع ما حرمه الله وكرهه، كما حرس جوارحه فإن الخطرة من الشر إذا أهملها صاحبها صارت وسوسة، بمعنى أنها تتردد وتتكرر، فإن حفظها قبل أن تصير وسواسا اندفعت، وصلح القلب، وذهب أثرها عنه، وإن تركت صارت وسواسا ، فيصعب دفعها في حال الوسواس أكثر من صعوبته في حال الخطرة، ثم إن دفعت الوسوسة ذهب أثرها، وصلح القلب وطهر من كونها، وإن تركت صارت الوسوسة همه، فيكون دفعها أصعب فإن دفعت الهمة اندفعت، وإلا صارت عزما فيكون دفع العزم أصعب وأصعب وأصعب، فإن اندفع وإلا صار
صفحہ 239