فإن كانت مهذبة فاحفظها، وإن كانت مائلة فقومها بالرد إلى حد الاعتدال، على ما سيأتي تفصيله، فإن المقصود من جلب الاعتدال سلب الطرفين، إذ الغرض تطهير النفس عن الصفات التي تلحقها بعوارض البدن، حتى لا تلتفت إليها بعد المفارقة، عاشقة ومتأسفة على قوتها، وممنوعة بالاشتغال والتألم بها عن السعادات اللائقة بجوهرها. ومهما أردنا أن لا يكون الماء حارًا ولا باردًا، طلبنا فيه الاعتدال وكان الفاتر لا حارًا ولا باردًا، فكذلك هذه الصفات. فإن قلت: فبماذا اعلم أن الحاصل لي هو الخلق الجميل، وهو الوسط المعتدل بين طرفي الافراط والتفريط؟ فطريقك أن تنظر في الأفعال، التي يوجبها ذلك الخلق الذي فيه مجاهدتك، فإذا التذذت بفعله، فاعلم أن الخلق الموجب له راسخ في نفسك، فإن كان ذلك الفعل قبيحًا فاعلم أن الخلق قبيح، مثل أن تلتذ بامساك المال وجمعه. فموجبه خلق البخل، فعوّد نفسك نقيضه، والأخلاق الحسنة والسيئة قد فصّلها الشرع ويجمعها ما صنف في آداب النبي ﵇، وهي مشهورة وسنشير إلى جملها.
ونعني بالاعتدال أنك لو كنت تلتذ بالاسراف في تفريق
1 / 262