فإذن لم يبق إلا قليل من قليل وهو ذكيّ تنبه في عنفوان عمره لهذا الأمر، وهو مستعد لفهم العلوم، وصادف عالمًا مستقلًا بالعلوم تحقيقًا لا إسمًا، وحسبة لا رسمًا، كما ترى أكثر العلماء، فهم إما مقلّدون في أعيان المذاهب، أو في أعيان المذاهب وأدلة تلك المذاهب جميعًا، على الوجه الذي تلقوه من أرباب المذاهب. ومن قلد أعمى، فلا خير في متابعة العميان وأتباعهم أو شاب نشأ في طلب العلم وهو زكي في نفسه، وتنبه له بعد الارتياض بأنواع العلوم، ولكن بهذا النوع من العلم الذي تنبه له، فمثل هذا الشخص مستعد للطريقين جميعًا. فالأولى به أن يقدّم طريق التعلم، فيحصّل من العلوم البرهانية ما للقوة البشرية إدراكه بالجهد والتعلم، فقد كفى المؤنة فيه تعب من قبله، فإذا حصّل ذلك على قدر إمكانه، حتى لم يبق علم من جنس هذه العلوم، إلا وقد حصّله، فلا بأس بعده أن يؤثر الاعتزال عن هذا الخلق، والإعراض عن الدنيا، والتجرد لله وأن ينتظر، فعساه ينفتح له بذلك الطريق ما التبس على سالكي هذا الطريق. هذا ما أراه، والعلم عند الله.
وقد يخرج منه أن الصواب لأكثر الاشتغال بالعمل،
1 / 228