والنصب، ما يعظم مقاساته طمعًا في حصول لذة لهم في المستقبل، تزيد على ما يفوتهم في الحال زيادة محدودة، فكيف لا يسمحون بتركه في الحال للتوصل إلى مزايا غير مقدرة ولا محدودة. ولم يخلق في الدنيا عاقل هو حريص على طلب المال، كلف بذل الدينار وانتظار شهر ليعتاض منه بعد مضي الشهر الإكسير الأعظم الذي يقلّب النحاس ذهبًا إبريزًا، إلا تسمح نفسه ببذله، وإن كان ذلك فواتًا في الحال. حتى أن من لم يحتمل ألم الجوع مثلًا، في مثل هذه المدة ليتوصل به إلى هذه النعم الجسيمة، لم يعدّ عاقلًا، ولعل ذلك لا يتصور وجوده في الخلق، مع أن الموت وراء الإنسان بالمرصاد، والذهب لا ينفع في الآخرة. وربما يموت في الشهر أو بعد الشهر بيوم فلا ينتفع بالذهب. وكل ذلك لا يفتر رأيه في البذل، طمعًا في هذا العوض. فكيف يفتر رأي العاقل في مقاساة الشهوات، في أيام العمر وأقصاها مائة سنة، والعوض الحاصل عنها سعادة لا آخر لها؟ ولكن فتور الخلق عن سلوك طريق السعادة لضعف إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فالعقل الناقص قاض بالتشمير لسلوك طريق السعادة فضلًا عن الكامل.
1 / 181