ولقد بقي الأوسط وهو مسكن القوة المفكرة وهي مرتبة بين خزانة الصور وخزانة المعاني، وشأنها أن تركب بعض ما في الخيال مع بعض، وتفصل عن بعض، بحسب الاختيار. والعادة جارية بذكر هذا في القوى المدركة، والأولى أن يذكر في جملة القوى المحركة، إذ ليس لها إدراك شيء، إلا بنوع حركة بتفصيل مركب وتركيب مفصل، مما هو حاصل في الخيال. ولا يقدر على وضع شيء مستجد ليس هو موجودًا في الخيال بحال، إلا بمجرد التفصيل والتركيب.
وهذه القوى التي ذكرناها يشارك فيها الحيوانات الإنسان إلا المفكرة، فإن في الحيوانات شيئًا يقاربه يسمى المتخيلة، ولا تنتهي قوته إلى حد قوة المتفكرة في الإنسان. وأما النفس الإنسانية، من حيث هي إنسانية، فينقسم قواها إلى قوة عالمة وقوة عاملة. وقد تسمى كل واحدة منهما عقلًا، ولكن على سبيل الاسم المشترك، إذ العاملة سميت عقلًا لكونها خادمة للعالمة، مؤتمرة لها فيما ترسم. فأما العاملة، فهي قوة ومعنى للنفس، هو مبدأ حركة بدن الإنسان إلى الأفعال المعينة الجزئية، المختصة بالفكر والروية، على
1 / 203