توصلت إليه بالمجاهدة ولا يمكنك معرفة ما تطلبه، إلا بأن تعرف أولًا نفسك وقواها وخواصها، فكيف يشتغل بمخالطة زيد من لا يعرف زيدًا؟ والمجاهدة معالجة للنفس بتزكيتها، لتفضي إلى الفلاح، كما قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا)، ومن لم يعرف الثوب لا يتصور منه إزالة وسخه. ولما كان ملاك الأمر معرفة النفس، عظم الله أمره ونسبه إلى نفسه تخصيصًا وإكرامًا، فقال تعالى: (إنِّي خَالقٌ بَشَرًا منْ طين، فَاذَا سَوّيْتَهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحي) فنبه على أن الإنسان مخلوق من جسم مدرك بالبصر ونفس مدركة بالعقل والبصيرة لا بالحواس، وأضاف جسده إلى الطين وروحه إلى نفسه. وأراد بالروح ما نعنيه بالنفس، منبهًا لأرباب البصائر أن النفس الإنسانية من الأمور الآلهية، وإنها أجل وأرفع من الأجسام الخسيسة الأرضية ولذلك قال تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوح قُل الرّوحُ مِنْ أَمْر رَبي)، وقيل: " كان في كتب الله المنزلة
1 / 199