العقليات، على ما هي عليه، دون المتوهمات والحسيات التي يشاركه الحيوانات فيها. ثم تعلم أن النفس بالذات متعطشة إليه، وبالفطرة مستعدة له، وإنما يصرفها عنه اشتغالها بشهوات البدن وعوارضه مهما استولت عليه ومهما كسر الشهوة وقهرها وخلص العقل عن رقها واستعبادها إياه، وأكب بالتفكر والنظر على مطالعة ملكوت السموات والأرض، بل على مطالعة نفسه وما خلق فيها من العجائب، فقد وصل إلى كماله الخاص، وقد سعد في الدنيا إذ لا معنى للسعادة إلا نيل النفس كمالها الممكن لها، وإن كانت درجات الكمال لا تنحسر. ولكن لا يشعر بتلك اللذة ما دام في العالم ممنوعًا بالحس والتخيل وعوارض النفس، كالذي عرض للمطعم الألذ، وفي ذوقه خدر فيزول، فيشعر باللذة المفرطة. فالموت مثل زوال الخدر، فقد سمعت مقدمًا من متوعي الصوفية يصرح بأن السالك إلى الله تعالى يرى الجنة وهو في الدنيا، والفردوس الأعلى معه في قلبه، إن أمكنه الوصول إليه. وإنما الموصول إليه. بالتجرد عن علائق الدنيا، والإكباب بجملة همته على التفكر في الأمور الآلهية، حتى ينكشف له بالإلهام الآلهي جليها، وذلك عند تصفية نفسه عن هذه الكدورات.
1 / 196