وإن كنت في الحالة الرابعة، وهي اعتقاد صحة مذهب الفرقة الرابعة، فنخاطبك على حد جهلك وقصورك، بوجهين: أحدهما أنك لم تعتقد هذا المعتقد ببرهان حقيقي ضروري، لا يمكن الغلط فيه حتى يقال تنبهت لنوع من الدليل، غفل عنه الأنبياء والأولياء والحكماء وكافة العقلاء. فإن الغلط إذا تطرد لهؤلاء، مع كثرتهم وغزارة علومهم، وطول نظرهم، وكثرة معجزات أنبيائهم، فماذا تأمن الغلط في اعتقادك، وما الذي عصمك؟ وأقل درجاتك أن يجوز الغلط على نفسك. وإن احتمل عندك صدق الجماهير وغلطك، التحقت بالحالة الثالثة. وإن لم تتسع نفسك لهذا التجويز حتى زعمت أنك عرفت بطلان اعتقاد الجماهير واستحالة كون النفس جوهرًا باقيًا بعد الموت، أو معادًا بطريق البعث والنشور، كما عرفت أن الاثنين أكثر من الواحد، وأن السواد والبيان لا يجتمعان، فهذا الآن من سوء المزاج وركاكة العقل. ويبعد مثل هذا الأحمق عن قبول العلاج، ولمثل هذا قال الله تعالى فيهم (أُولَئِكَ كَالأَنْعَام بَلْ هُمْ أَضَلُّ) .
الوجه الثاني: أن هذه الفرقة وإن أنكروا السعادة الآخروية، فلم ينكروا السعادة الدنيوية. وأعلى السعادات الدنيوية العزة والكرامة، والمكانة والقدرة، والسلامة من الغموم والهموم، ودوام الراحة والسرور. وهذا أيضًا لا يفوز به الإنسان إلا بالعلم والعمل،
1 / 190