مصر: نسيج الناس والمكان والزمان

محمد رياض d. 1450 AH
158

مصر: نسيج الناس والمكان والزمان

مصر: نسيج الناس والمكان والزمان

اصناف

18

وإلى ذلك الوقت كان النيل يجري طبيعيا بصفة عامة.

وفي 1902 بني سد أسوان. وكان أول إنشاء هندسي يغير النظام الهيدرولوجي لمياه النيل في مصر، وذلك بتخزين المياه في أواخر فترة الفيضان في بحيرة التخزين جنوب السد وإطلاقها وقت التحاريق قبل الفيضان التالي. وقد أدى ذلك إلى تغيير منسوب الماء في إقليم النوبة، وأصبح موسم الفيضان هو موسم انخفاض مستوى النهر الذي يأخذ في الارتفاع مع إغلاق بوابات السد إلى ارتفاع نحو 35 مترا عن منسوبه الطبيعي عند السد. وقد أدى هذا إلى هجرة متكررة للنوبيين في اتجاهات شتى شمال أسوان، وجنوبا إلى قرى توشكى وبلانه وغيرهما، ولكن أكبر هجرة كانت إلى أعلى الحافة الهضبية والجبلية في مواقع وعرة صعبة، وهنا اتسعت بيوت النوبيين اتساعا كبيرا في هذه الأرض المضرسة القاحلة بعد أن كانت صغيرة متقاربة، شأن القرى إلى جوار النيل في ظل ظروفه الطبيعية.

ثم أتى السد العالي فارتفعت مياه بحيرة التخزين الدائم إلى متوسط نحو 70 مترا فوق المنسوب الطبيعي عند السد، مما أدى إلى هجرة كاملة للنوبيين في مصر، وبعض النوبيين في السودان. ذلك أن الفرق بين سد أسوان وبين السد العالي أن بحيرة التخزين أمام سد أسوان كانت تشغل حوض النهر بضعة أشهر ثم تنصرف إبان الفيضان إلى بقية الوادي والدلتا محملة بالطمي المساعد على تعويض التربة بعض خصوبتها، وتاركة في بلاد النوبة أرضا للفلاحة وأنشطة أخرى بقية السنة. بينما بحيرة التخزين أمام السد العالي - المتعارف على تسميتها بحيرة ناصر بحكم قرار منشئها، أو دعوة لتسميتها بحيرة النوبة بحكم موقعها الجغرافي في بلاد النوبة - هي من النوع الدائم لا تنصرف كلية، وإن كان منسوب مياهها يتأرجح سنويا حسب كمية مياه الفيضان وبين كمية السحب إلى خلف السد بقية العام.

للسد العالي فوائد ومضار عديدة كأي تكنولوجيا. ومن فوائده نكرر ما سبق ملاحظته تجريبيا، مثل تأمين المياه للزراعة والصناعة والناس سواء كان الفيضان عاليا أو منخفضا، وتحويل آخر مناطق نظام ري الحياض في قنا وأسوان إلى الري الدائم، وتدبير بعض المياه لاستصلاح أراض صحراوية في غرب الدلتا وجوانب الوادي في المنيا وكوم أمبو ... إلخ. ولكن أحد أهم المشروعات كان توليد الكهرباء الرخيصة كطاقة متجددة - ينتج السد العالي نحو 2100 ميجاوات

19 - من أجل برنامجين هامين أولهما: التصنيع، والثاني: اجتماعي يهدف إلى كهربة الريف وما يترتب عليه من آثار اجتماعية اقتصادية كثيرة. وبالرغم من أن الطاقة الكهربية المنتجة من السد العالي وسد أسوان الآن أقل من

18٪ من الطاقة الكهربائية المنتجة في مصر من المحطات الحرارية، إلا أن كهرباء السد العالي ومحطات التحويل الكبرى في مصر كانت اللبنة الأساسية في هذا الاتجاه التحديثي في إنتاج الطاقة في مصر. (2-6) دعوة لتصحيح ما فات من سلبيات

والغرض الختامي من هذه المداخلة أن النظام البيئي في مصر قد حدث له ما حدث في أجزاء كثيرة من العالم نتيجة إقامة السدود الكبيرة. والدعوة موجهة للمختصين في هندسة الماء والزراعة والصحة والتشريع للعمل المشترك من خلال مجلس ذو سلطات عليا حقيقية، من أجل تحسين الكثير من مشكلات الري والصرف، وتقليل الاعتماد على الأسمدة والأعلاف المصنعة والمشكلات الصحية المتضخمة.

وربما يمكن ذلك جزئيا بفتح بعض المجال لاندفاع مياه الفيضان في النهر والترع إلى الأرض الزراعية لغسل التربة وتجديد بعض خصوبتها بالغرين وغسل النهر من نباتات المياه الراكدة أو قليلة الحركة، وغسل هذا النهر العظيم مما ينصرف إليه من مياه ملوثة بمخلفات الأسمدة الكيميائية شديدة الضرر.

يكفي ما وقع فيه العالم المتقدم من أزمة تلو أزمة في الغذاء المعالج وراثيا، والعلف المصنع، وجنون البقر والأغنام، وما يستجد من أمراض قد تحل محل الأوبئة التي كانت تجتاح العالم في العصور الوسطى كالطاعون والسل وما إلى ذلك - وقانا الله شرها بعمل جاد للحفاظ على حياة الجنس البشري وحياة المصريين. (3) نموذج لإطماء بحيرات السدود: تقييم مشروع «خشم القربة» في السودان - استخدام المياه في منطقة جافة

نامعلوم صفحہ