مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
أما المحافظات الثمان فهي: العاصمة، والإسكندرية، ودمياط، ورشيد، والعريش، وبورسعيد، والسويس، وسواكن.
وحافظ على تقسيم المديريات إلى مراكز، والمراكز إلى أقسام، والأقسام إلى نواح، وقسم محافظتي العاصمة والإسكندرية إلى أقسام، جعل كل قسم منها يضاهي مركزا في المديريات، وأنشأ وظائف مفتشين ورؤساء مفتشين للأقاليم، كان، فيما بعد، أعظمهم شهرة وأكبرهم شأنا إسماعيل باشا الذي عرف «بالصغير» و«المفتش»، وسلطان باشا، وعمر باشا لطفي.
وعهد برياسة النواحي إلى عمد بدلا منها إلى مشايخ، وجعل هؤلاء مساعدين لأولئك في أعمالهم، وفوض إلى أهالي كل ناحية أمر انتخاب عمدتها ومشايخها، وأبقى الصيارفة والمأذونين، ولكنه ألغى وظائف الخوليين: لأنه لم يعد من سبب لوجودها، بعد أن منح محمد سعيد باشا حق امتلاك أترية الأطيان، وحق زراعتها كما يشاءون، وأبقى مرجع الإدارة كلها إلى وزارة الداخلية.
وكان محمد سعيد باشا قد حول بعض دواوين أبيه كالداخلية والمالية والحربية إلى وزارات؛ وعهد في الأولى إلى الأمير أحمد باشا رأفت؛ وفي الثانية إلى مصطفى باشا فاضل؛ وفي الثالثة إلى الأمير حليم باشا، فحول (إسماعيل) باقي الدواوين الكبرى - كالبحرية، والخارجية، والأشغال، والمعارف - إلى وزارات كذلك، وأنشأ في أوائل سنة 1865 وزارة جديدة دعاها «وزارة الزراعة» ضمها إلى وزارة الأشغال، وعهد فيهما، معا، إلى نوبار باشا، مكافأة له على فوزه في مسألة قناة السويس التي سيأتي الكلام عنها.
غير أن أعظم تحسين أدخله على الإدارة إنشاؤه هيئات نيابية في المراكز والمديريات قصد منها أن يعلم الأمة، بإشراك وجوهها ونوابغها مع حكامها في أعمالهم الإدارية، كيفية الوصول إلى حكم نفسها بنفسها.
فأقام، لهذا الغرض، في كل مركز، مجلسا إداريا يستشير المأمور أعضاءه في إنجاز الأعمال المركزية؛ وأقام، حول كل مدير ، مجلسا محليا ينتخب الأهلون أعضاءه ليكونوا أعين المدير ومستشاريه، وليضربوا على تجاوزات مشايخ البلاد وعمدها.
4
وكان قد اضطر، في بادئ الأمر، إلى اتخاذ المديرين كلهم من العنصر التركي، لعدم وجود أكفاء من أولاد العرب للقيام بمهام تلك الوظائف الخطيرة، ولكنه - مع تقادم أيام ملكه، وإخراج المدارس المصرية وسلوك الإدارة رجالا يعتمد عليهم من أبناء البلاد، وبما أن الحوادث التي تلت أظهرت عدم كفاءة الأتراك للإدارة، بالرغم من كفاءتهم غير المنكورة للإمرة والحكم - أخذ يستبدل المديرين الأتراك بمديرين من المصريين الصميمين، رويدا رويدا، حتى أصبحت معظم مديريات القطر مرءوسة في سنة 1877 بمديرين من أبناء البلاد، بالرغم من أن هيبة الأتراك، من جهة، كانت لا تزال كبيرة في نفوسهم؛ وأنه كان يخشى أن تحملهم هذه الهيبة في معاملاتهم الإدارية مع كبار رجال العنصر التركي الخاضع لحكمهم، على خور في العزائم، قد تنجم عنه مضار للمصلحة العامة؛ وبالرغم من أن هيبة الحاكم المصري، من جهة أخرى، لم يكن لها أصل في نفوس إخوانه المصريين، لا سيما أهله وذويه وبلدييه؛ وكان يخشى أن تحمله ألفتهم على تهاون في واجباته، يخل إخلالا بالغا في تلك المصلحة العامة عينها.
ويروى، للدلالة على هذين الأمرين معا، أن وجيها من وجهاء الصعيد عين مديرا للمديرية التي فيها بلده؛ فوجد من ملازمة أهله ومعارفه له وجلوسهم معه، بدون أقل تكلف، في حجرته الرسمية الخاصة به، وتضييعهم وقته عليه في محادثات لا طائل تحتها، أو لا تهم سواهم من الناس، ما رأى، معه، مهابته مفقودة في أعين مرءوسيه والأهالي معا، وما غصت به روحه، ولكنه لم يجد من نفسه القوة الأدبية الكافية لإيقافهم عند حدهم، فأوعز إلى قواصه التركي - وكان ألبانيا، عالي القامة ضخم الجثة، ذا شاربين كشاربي عنترة وأبي زيد في صورتيهما المتداولتين بين أيدي الناس - أن يدخل يوما، فجأة، على أولئك الأهل والمعارف، عندما يراهم جالسين في حجرته الخاصة؛ ويزجرهم ويطردهم من حضرته، عساهم يرتدعون.
فامتثل القواص للأمر من الغد؛ ودخل على جمع بلديي المدير الملازمين له في غرفته، وقد فتل شاربيه الكثيفين حتى مس طرفاهما أذنيه؛ وحملق عينيه حملقة مروعة، وهجم عليهم صارخا بصوت مخيف: «يلا! سكتر! كرتا! فلاح أدپسيز!» فذعر الجمع وارتعدت فرائصهم، وما هي إلا لحظة وقد أخلوا المكان مهرولين يتسابقون ويتدافعون إلى الباب؛ ولكن المدير كان أولهم هروبا، لشدة ما وقع في نفسه من هيبة قواصه وهول منظره وصورته.
نامعلوم صفحہ