مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
4
وكان يوم السبت التالي حادي عشر أبريل، يوم تشييع المحمل المصري إلى الأقطار الحجازية، فتقرر أن يرأس جلالة السلطان نفسه الحفلة السنوية المعتادة، واتخذت جميع الوسائل لكي تكون، بسبب وجوده على رأسها، يتيمة الحفلات التي من نوعها؛ لأنه لم يسبق لسلطان عثماني أن ترأس مثلها منذ الفتح السليمي، ولم يكن أحد يتوقع أن تجود الأيام بزيارة سلطانية أخرى في العصر ذاته.
فلما كانت الساعة العاشرة، نزل السلطان من القلعة، وسار نحو الكشك الذي أقامه محمد علي خصيصا لذلك تحت السور إلى جنوب باب العزب، وهو قريب من المكان الذي يروى أن الأمير المملوك أمين بك وثب منه وثبته المشهورة في حادثة ذبح المماليك.
فلفت بعض الحضور نظر السلطان إلى ذلك، فرغب عبد العزيز في أن تلقى على مسامعه الرواية، بينما تتم حوله مراسم الاحتفال.
وكانت تفاصيل تلك الرواية مختلفا فيها، فما حكي للسلطان منها هو أن أمين بك، لما قذف بحصانه من فوق السور، وانكسرت أرجل الجواد حينما مست الأرض، فسقط ميتا، وقع هو أيضا عن صهوته وأصيب برضوض أفقدته رشده، فبصر به بعض البدو، فأسرعوا إليه واحتزوا ثلاثة أرباع عنقه، لكي يسرقوا سلاحه ونقوده؛ غير أنه لم يمت، وتمكن - وحده، على قول بعضهم؛ وبمساعدة بعض ذوي الرحمة، على قول آخرين - من النهوض والاختفاء في مكان أمين تعالج فيه إلى أن شفي واستطاع الالتجاء إلى سوريا.
وبعد الفراغ من حفلة المحمل، توجه السلطان للتنزه في المدينة، فزار مساجد آل البيت الكرام وغيرها وكان الناس من السوقة والعامة، كلما مر بجموعهم المحتشدة، صاحوا: «الفاتحة لمولانا السلطان!» فينظر إليهم كأنه يحييهم، وهو إنما يستغرب لذلك، ويقارن في سره بينه وبين خشوع الأستانة وسكوتها؛ وإطراق العيون فيها إلى الأرض حينما يمر في شوارعها ذاهبا إلى صلاة الجمعة.
5
ثم عاد من طوافه، فتناول طعام الغداء في سراي الجزيرة، ولما كان الأصيل، أبدى رغبته في رؤية أنجال (إسماعيل)، فأرسل (إسماعيل) من أحضرهم من قصرهم بالمنيل في جزيرة الروضة، حيث كانوا منقطعين إلى علومهم تحت عناية المسيو چاكليه؛ بعيدين عن كل المؤثرات الخارجية، لا سيما مؤثرات الحريم، فأعجب السلطان بهم وبنباهتهم وذكائهم؛ وشجعهم بأقوال حكيمة على الاستمرار في دروسهم بنشاط وهمة ورغبة صادقة، ليكونوا قرة عين أبيهم الكريم، وفخر مصر، وخير أحفاد للرجلين العظيمين (إبراهيم باشا) و(محمد علي).
ثم عاد إلى القلعة، ولما أسدل الغسق ظلاله، بدت مصر، مرة ثالثة، في حلل زينتها البهية؛ وأخذت نجوم الألعاب النارية وأهلتها تباري مرة أخرى نجوم السماء، وبدورها في السطوع واللألأة والجمال.
فأظهر عبد العزيز (لإسماعيل) نيته في الإقامة بمصر عدة أيام؛ ورجاه الاكتفاء بما عمل من الزينات والألعاب، والامتناع عنها في الليالي التالية؛ حثا براحة القائمين بها، وراحة السكان معا.
نامعلوم صفحہ