مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
وفي مايو سنة 1858، أقام محمد سعيد باشا حفلة حافلة في الإسكندرية - وكانت حفلات ذلك الوالي عديدة فخمة - ودعا إليها جميع أمراء بيته العالي؛ سواء في ذلك الذين كانوا في الإسكندرية، والذين كانوا بمصر أو غيرها من الجهات.
فلبى الأمراء الدعوة؛ وفي مقدمتهم أحمد باشا رأفت أكبر أولاد إبراهيم باشا؛ وحليم باشا أصغر أنجال (محمد علي) واعتذر الأمير (إسماعيل)؛ لأنه كان متوعك المزاج.
وقد كان توعك مزاجه في ذلك الظرف، أمرا ساقه إليه حسن الحظ: فإنه لما انقضت الحفلة عاد الأميران السابق ذكرهما إلى مصر بقطار خاص مع حاشيتهما ورجالهما، فوقعت العربة التي كانت تقلهما في النيل، عند كفر الزيات، فغرق الأمير أحمد باشا ونجا الأمير حليم باشا.
فأصبح الأمير (إسماعيل) ولي عهد السدة المصرية؛ لأنه بات أرشد رجال البيت العلوي بعد موت أحمد باشا أخيه الأكبر.
وقد اختلفت في سبب تلك الكارثة الروايات ، فمن قائل: إن الكوبري نسي مفتوحا سهوا فسقط القطار في النيل عندما بلغه؛ لأن السائق لم يتمكن من إيقافه؛ ومن قائل - وهو الأقرب إلى الصدق: لأن كوبري كفر الزيات لم يكن قد أنشئ بعد - إن القطارات كانت، في ذلك العهد، تجتاز النيل عند كفر الزيات، في معدية تنقل عرباتها، ثلاثا ثلاثا؛ مع ترك الخيار للركاب في النزول اتقاء للخطر، أو العبور فيها؛ وإن الأميرين - وكانا معا في عربة واحدة - خيرا فأبيا إلا البقاء في العربة وعبور النهر وهي تقلهما؛ وإن المنوط بهم أمر نقل العربات إلى المعدية دفعوا بعربتهما بقوة إليها إظهارا لنشاطهم وغيرتهم؛ فتدحرجت عنها إلى النهر وغرقت فيه. أما أحمد - وكان بدينا - فلم يستطع الوثوب من نافذة العربة إلى الماء، فأخرج ميتا مخنوقا؛ وأما حليم - وكان خفيف الجسم، متمرن العضلات - فإنه وثب من النافذة إلى الماء واجتازه سباحه.
7
ولكن النميمة - وكان ذلك بدء قيامها؛ ولكم حاولت، فيما بعد، تسوء سمعة (إسماعيل) وطمس معالم فخره ومجده - أبت إلا أن تغتنمها فرصة لتنفث عليه وعلى عمه سعيد سمومها وتحاول تعكير مياه الصفاء، والتوادد بينهما.
8
غير أن الأميرين لم يباليا، في نقاوة ضميرهما، بما أذاعته الألسنة الشريرة حولهما، وظهر ذلك جليا في أعمالهما.
فإن محمد سعيد باشا، حينما سافر إلى سوريا زائرا في سنة 1859 (ومكث في بيروت ثلاثة أيام، نزل فيها ضيفا كريما على وجهاء المدينة، وكان في أثناء مروره في الطرقات، ينثر الذهب على الناس)، عهد في قائمقامية الولاية: مدة غيابه إلى ابن أخيه الأمير (إسماعيل)، فدل ذلك على مقدار ثقته به وبإخلاصه.
نامعلوم صفحہ