مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
فلما رفع إليه طلب ذلك الموظف، أمر بإدخاله حالا، فأدخل، وأحدقت به أنظار الجميع.
فجثا الرجل أمامه وسلمه الإشارة البرقية الواردة، فقرأها (إسماعيل)، وما أتى على ما دون فيها، إلا ونهض والفرح منتشر على محياه - فوقعت الإشارة من يده - وشكر الله بصوت عال على ما أنعم به عليه من رفعه إلى سدة مصر السنية، ثم ترحم على عمه ترحما طويلا.
فشاركه رجاله المحيطون به في فرحه، وتصاعدت دعواتهم له بطول البقاء ودوام العز؛ وأخذوا يهنئونه ويهنئ بعضهم بعضا.
ثم نظر (إسماعيل) إلى الموظف الجاثي أمامه، (والذي كان قد التقط الإشارة البرقية حالما وقعت من يد مولاه، ووضعها في جيبه)، وتبسم وقال: «انهض يا بك!» وبعد أن حباه نفحة من المال أذن له بالانصراف.
فعاد الموظف مسرعا إلى مصلحة التلغرافات، لرغبته في الحصول على جائزة الخمسمائة فرنك التي وعد بها، زيادة على الذهب الذي أصابه؛ ودخل بتلك الإشارة على رئيسه، بسي بك، وأيقظه وسلمها إليه.
فتناولها بسي بك وقرأها، ثم فتح كيسه بسرعة وأعطى الرجل المبلغ الذي وعده به، ثم أسرع بالرسالة إلى سراي الأمير (إسماعيل)، وهو يرى أنه قد أصبح باشا، وتتلذذ نفسه بذلك.
فلما دخل على الأمير، وعرض عليه الإشارة، قابله (إسماعيل) بفتور وقال: «لقد أصبح هذا لدينا خبرا قديما!»
فأدرك الرجل أن موظفه خانه، وسبقه إلى استجلاء أنوار الشمس المشرقة ونعمها، ثم ضحك عليه واستخلص منه خمسمائة فرنك، فاستشاط غضبا ونقمة، وعاد إلى مصلحته، واستدعى ذلك المكير المائن، واندلث عليه.
فأوقفه الموظف عند حده، قائلا: «صه! فإني أصبحت بيكا مثلك!»
هكذا أضاع بسي بك ثمرة سهره ثمانيا وأربعين ساعة، بعدم تجلده على الاستمرار ساهرا. بضع سويعات أخرى!
نامعلوم صفحہ