393

مصر خديوی اسماعیل

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

اصناف

ولكن إما بسبب الاضطراب المالي الناشئ عن الخوف الفجائي الذي أسقط الأسعار إسقاطا فاحشا في أميركا قبل ذلك بأشهر، وإما بسبب أن سعر التصدير كان في البدء عاليا أكثر مما يصح ( )، فإن هذا القرض، الذي اشرأبت إليه الأعناق وانتظرته المضاربة أكثر من سنتين ، خاب خيبة تامة، بالرغم من كل الاحتياطات التي اتخذت لإنجاحه.

فلم يغط منه إلا القليل من الزائد على ما كان يلزم لتغطية مسئولية مصدريه ، أوپنهايم وشركائه، ولم يصل منه نقدا إلى الخزينة المصرية في نهاية الأمر، وبعد تقلبات أسعار لا داعي لذكرها هنا سوى صاف يقرب من أحد عشر مليونا من الجنيهات، في نظير دين أركب على عنق تلك الخزينة قدره اثنان وثلاثون مليون جنيه، وسعر فائدته 8 في المائة سنويا.

وهو ما لم يرو ولم يسمع عن مثيله في تواريخ قروض العالم كافة، بل ولا في تواريخ الربا والمرابين قاطبة، بل لم يذكر في تواريخ العالم كلها أن شعبا وحكومته سرقا سرقة وقحة كهذه السرقة!

4

وعليه، فإن هذه السنة، سنة 1873، التي حصل (إسماعيل) فيها على فرمان 8 يونية، فأصبح بمقتضاه، فيما عدا الجزية السنوية المفروضة عليه ملكا حقا مستقلا تمام الاستقلال ببلاده، وحقق بالتالي كل أماني أيامه الماضية هذه السنة، التي كان يجب - والحالة هذه - أن تكون بدء ارتقاء سعده، وتاريخ بلوغه أوج مجده، وفاتحة سيره إلى عز أقعس، بلا قيد يعرقل أعماله، ولا عقبة تسد السبيل في وجهه، هذه السنة عينها أمست، بفضل القرض المشئوم الذي عقده وزيره إسماعيل صديق باشا، بواسطة أوپنهايم وشركائه الماليين اليهود، بدء اشتداد الصعوبات المالية حول مشاريعه ومصروفاته، وتاريخ بلوغه إلى مأزق ملكه الحرج، وفاتحة تنازعه على البقاء تنازعا دخل فيه غشمشما مستبسلا، ولكنه أدى به في نهاية أمره، وبفضل قيام الدول الأوروبية معضدة للمرابين، وحملة الأسهم، وازدرائها بالحقوق المكتسبة من الفرمانات المصدق عليها منها هي نفسها إلى السقوط والمنفى عقب حوادث لم يكن التاريخ ليصدقها، لولا أنه مضطر إلى اعتمادها لكونها واقعية.

فالمؤرخ غير المتحيز، الكاتب تحت تأثير ما توحيه إليه الحقائق، لا يسعه إلا أن يأسف أسفا شديدا على ما كان من غض نظر (إسماعيل) عن تصرفات وزير ماليته، لشدة وثوقه به، واعتقاده أنه إنما يعمل لخدمته وخدمة مجده، بينما الرجل لم يكن يعمل إلا لمصلحته الشخصية، لأنه لولا ذلك لتمكن هذا الخديو الهمام، البعيد النظر، والكبير المطامع، من إنشاء دولة مصرية مجيدة، لها القدح المعلى والكلمة العليا فيما يتعلق بشئون المدنية الحديثة، ومقتضياتها، في القارة الإفريقية بأسرها. •••

إزاء الخيبة التي صادفها تصدير ذلك القرض، فإنه لم يكن في الاستطاعة عمل شيء ما سوى استهلاك الإفادات المالية، وحوالات المقابلة، والأوراق المصرية الأخرى التي من هذا القبيل، ذات الاستحقاقات القريبة جدا.

وأما الإفادات المالية وحوالات المقابلة والأوراق المصرية التي لم تدفع احتسابا من ثمن أسهم ذلك القرض المشئوم، فتركت وبختها، وأجل النظر فيها إلى يوم استحقاقها ليقضي الله أمرا كان مفعولا. فإما أنها تدفع يومئذ، إذا تيسر المال لدفعها، وإما أنها تجدد بفوائد أخرى محرقة.

أي أن الحكومة المصرية بعد استدانتها ذلك الدين الجديد الفظيع لم تستفد منه سوى تأجيل استحقاقات همومها بضعة أشهر فقط، ولم تر بدا من العود إلى دحرجة صخرة «سيزيف»

5

نامعلوم صفحہ