367

مصر خديوی اسماعیل

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

اصناف

والذي استلفت الأنظار في تحرير هذا العقد، بادرة ذكرت فيه، أشارت من طرف خفي إلى رغبة البلوغ، إلى الاستقلال، المتقدة في قلب (إسماعيل)، فبينما اشترط في المادة الرابعة منه وجوب حصول المقترض على رضى السلطان، كما كان ذلك مشترطا في عقد القرض الذي أبرمه (سعيد باشا) في سنة 1862، فقد اتفق من جهة أخرى على أن يكون المرجع والحكم فيما قد يحدث من منازعات أو خلافات بسببه إلى (إسماعيل)، بدلا من أن يكون للصدر الأعظم، كنص قرض سنة 1862.

ثم تلا هذا القرض، القرض الذي عقده (إسماعيل) لنجدة المزارعين المصريين في الأزمة التي أصيبوا بها على أثر نزول أسعار القطن نزولا فاحشا عقب وضع الحرب الأمريكية الأهلية أوزارها، وبلغ نيفا وخمسة وثلاثين مليونا من الفرنكات، وقد سبق لنا بيانه في غير هذا المكان.

غير أن ما أنفق في سنة 1865 على مقاومة الكوليرا، والثلاثة الملايين التي دفعت في سنة 1866 للحصول على فرمان تغيير مجاري الوراثة، والعشرة الملايين من الفرنكات التي استرد بها تفتيش الوادي من شركة ترعة السويس، وما أنفق أخيرا في تجهيز الحملة إلى كريت، وتسفيرها وإقامتها من جهة، وما اعتاده (إسماعيل) من الإنفاق عن سعة، والإكثار من دواعي الترف، ومظاهر العز والعظمة حول عرشه، وتوسيعه قصوره وحدائقه، وإنشاؤه منظرة الجيزة بالقرب من الأهرام، واقتناؤه في دار السعادة عينها سراي الأميركون البديعة، وإسرافه على إعدادها وتجهيزها، إعدادا وتجهيزا فائقين من جهة أخرى - كل ذلك جعل الخزينة المصرية، وخزينة الأمير الخصوصية في حاجة إلى نقود، بالرغم من زيادة الإيرادات، ومن سلفة الخمسة الملايين الأخيرة.

وكان (إسماعيل) يتوقع ذلك الاحتياج قبل حصوله.

لذلك رأى، وهو في فيشي، أن يتدبر للطوارئ قبل حدوثها، شأن المتبصر في العواقب، فاستدعى إليه نوبار باشا وكلفه بالسعي إلى عقد قرضين جديدين يكونان شخصيين، وتكون ضمانتهما السكك الحديدية - وكانت ملكا خاصا للأمير - وأملاك (إسماعيل) الشخصية الأخرى، أي دائرته السنية.

فجد نوبار حتى تمكن في 17 أكتوبر سنة 1865 من عقد القرض الأول مع محل «أپنهايم نيڨيه» قيمته ثلاثة ملايين من الجنيهات الإنجليزية، وضمانة سداده السكك الحديدية.

وكانت تعليمات (إسماعيل) تقضي بأن يكون معدل الفوائد ثمانية أو تسعة في المائة سنويا، ولكنهم وجدوا، عند فحص حساب التقسيط، أن معدلها يبلغ أربعة عشر في المائة تقريبا.

فاستاء (إسماعيل)، وامتعض من نوبار، وضاعت ثقته في كفاءة هذا الوزير للأمور المالية.

ولكن الفريقين المتعاقدين بعد أخذ ورد عنيفين، وبعد أن تشبث كل منهما برأيه: هذا أن العقد باطل وملغى، وذاك أنه صحيح وواجب التنفيذ، اتفقا في نهاية الأمر على إلغائه وإبداله بعقد آخر، عرف بعقد 5 يناير سنة 1866، أقرض (إسماعيل) بمقتضاه ملايين الجنيهات الثلاثة السابق الاتفاق عليها، بسندات السكك الحديدية، تضمنها المالية المصرية، وبمعدل ستة في المائة سنويا، على أن يسدد ذلك جميعه على ستة أقساط سنوية متساوية، ابتداء من أول يناير سنة 1869.

فأصدرت تلك السندات، وابتاعها محل «أوپنهايم وشركائه» بمبلغ مليونين وستمائة وأربعين ألف جنيه إنجليزي، على أن يدفع نصف المبلغ نقدا، ويقدم بالنصف الآخر أدوات سكك حديدية، يكون له عليها عمولة معدلها خمسة في المائة.

نامعلوم صفحہ