مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
9
فلا يسعنا، ونحن نعلم ذلك جميعه، ونرى - إزاءه - المجهودات المتنوعة المبذولة من (إسماعيل) في زيادة كنوز العلم المجرد، وعدم إحجامه عن أية نفقة وأية مشقة تستدعيها تلك الجهود، إلا أن نعتقد بأن قرنا على الأقل انقضى بين ملك (سعيد) وملكه، ونكاد نأبى التصديق بأن مثل ذلك التطور العقلي المدهش في الوسط المصري بأكمله، قد أمكن أن يتم بمجرد ظهور رجل واحد على مسرح الحياة العمومية.
لذلك كان إعجاب الأوساط المتمدينة في الشرق والغرب بما امتاز به عهد (إسماعيل) من حركة فكرية خصيبة، وبعناية الخديو الفخيم بالعلوم وزيادة كنوزها، ورغبته في توسيع دائرتها، إعجابا عاما لا تشوبه شائبة؛ ولذلك استحق (إسماعيل) عن جدارة أن يجلسه احترام الإنسانية لكل من عني بالعلوم في مصاف الأكارم من النوع البشري، كپريكليس، وأغسطس قيصر، وعمانوئيل السعيد البرتغالي، وليو العاشر، ولويس الرابع عشر، الذين امتازوا بتنشيط العلماء، وترغيب ذوي المعرفة والإقدام في الرحلات العلمية والاستكشافات العمرانية! ألا فليبق جالسا هناك إلى أن تدق الساعة!
الفصل الثالث
أبهة الملك وجلاله لا سيما في المواسم والأعياد والأفراح1
رأت مصر على ممر القرون من مظاهر العظمة ومجاليها، وأبهة الملك وجلاله، وفخفخة الرسميات وجمالها، ما لا تحسد معه قطرا في الوجود على ما أحرزه من ذلك، ولكنه لم تتوال تحت قبة سمائها الصافية، وعلى ضفاف نيلها السعيد سلسلة أعوام أخذت نصيبها الأوفر من الجلال والمهابة، والبهجة والأبهة، والجمال والفخامة، واللذات، مثل أعوام ملك (إسماعيل) الستة عشرة؛ فقد كانت حلما في مخيلة التاريخ لم يتحقق إلا مرة واحدة في دائرة عصوره! لا تكلمني عن جلال حفلات الفراعنة الأقدمين، ولا عن أبهة الاحتفال البطليموسي المهيب بالمجيء برفات الإسكندر الأكبر من بابل إلى مقره الأبدي في الإسكندرية، لا تذكر لي «الحياة التي لا يقتدى بها» التي قضاها أنطونيوس وكليوباترا، ما بين كانوب وفارو، قبل أن يميد البحر والأرض بهما، لا تحدثني بأيام أحمد بن طولون وخمارويه، وموكبهما السني، وابتهاجات قران قطر الندى بالخليفة العباسي، المالك على ضفاف الدجلة في بغداد، لا تخبرني بزهو الأعياد والرسميات في أيام الفاطميين التي لن تنسى، وبجلال جلوس أولئك الخلفاء البذاخين، وفخامة مواكبهم في الأعياد والمواسم، لا تطنطن لي بفخفخة رجوع البندقداري وقلاوون وفرج والناصر وبرقوق والمؤيد وبرسباي وقايتباي إلى عاصمتهم المصرية، عقب انتصاراتهم في الشرق، وشقهم شوراعها بالقبة والطير، ولا تذكر لي دخول بوناپرت القاهرة على رأس جيشه الفائز من تحت قبة باب الفتوح، بين عزف الموسيقات، ودق الطبول، فإن هذا جميعه، على ما فيه من سنا وسطوع، وأخذ بمجامع القلوب، ينكسف تماما أمام الأشعة المنبعثة إلى صفحات الأساطير عن أبهة الأيام وجلالها وأعيادها في عهد (إسماعيل).
وإنا بعد ما تقدم لنا ذكره عن الأعياد التي أقيمت احتفالا بقدوم السلطان عبد العزيز، واللورد پاچيت أمير الأسطول البريطاني في البحر الأبيض، والإمبراطورة أوچوني إمبراطورة الفرنساويين، والإمبراطور فرنتز يوسف إمبراطور النمسا والمجر، والبرنس فردريك ولي عهد الدولة البروسية، وزمرة العواهل والأمراء الذين حضروا حفلات فتح «ترعة السويس»، وقد أنفق فيها وحدها ما أنفقته أسرة برمتها من الأسر السابقة في أعياد مئات من السنين، بعد ما سبق لنا وصفه من مظاهر الضيافة التي بذلت في تلك الأعياد للألوف من الوافدين تباعا أياما، بل أسابيع متوالية، وامتازت بأطعمتها اللذيذة، ومشروباتها الفاخرة، ونزهها النيلية الجميلة، والضيافة التي كانت تبذل بسخاء لا يعرف حدا، وتفنن لا يعبر عنه وصف لكل عالم وأديب، ورجل سياسة أو مال، كان يقدم زائرا على العاهل المصري البهي المكارم، بعد ما شرحناه من إقامة الأعياد والمراقص الشتائية، الآخذة بهجتها بمجامع الألباب، في كل سنة من سني ذلك العهد العديم المثيل، وما بيناه من استقدام المليك الحاتمي الكف طوائف الممثلين والممثلات، وعلى رأسها نوابغ الفن وملوكه وملكاته، منذ أنشأ المسارح الفخمة للتمثيل في عاصمتي بلاده، بعد ما ذكرناه من إقامة حفلات السباق في مصر والإسكندرية على نظام لم تعهده القرون السالفة مطلقا، وأزرى بحفلات لعب القبق في أيام السلاطين المماليك، وما ذكرناه عن مظهر (إسماعيل) الخلاب في معرض باريس سنة 1867، وفي زياراته المتعددة للعواصم الأوروبية، لا سيما في سنة 1869، وفي الحفلات التي أقامها في قصره بميركون على البوسفور للسلطان عبد العزيز وكبراء دولة بني عثمان، لا نرانا في احتياج إلى التوسع في هذا الباب، ولكنا لإيفاء الموضوع حقه نقول إن أبهة الملك وجلاله تمثلا في أيام (إسماعيل) علاوة على ما ذكرناه من مظاهرهما:
أولا:
في الأعياد والرسميات.
ثانيا:
نامعلوم صفحہ