مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
وقد دلت الحوادث التالية على مقدار فطنة (إسماعيل) في سعيه هذا، وبعد نظره الثاقب، فإن تركيا، بعد أن طلبت إليها دولتا فرنسا وإنجلترا إقالته عن عرشه، أرادت أن تغتنمها فرصة لتلغي، في الوقت عينه، جميع الامتيازات والميزات الممنوحة منها للخديوية المصرية، وتطوي كشحا عن المبالغ التي التهمتها، مقابل منحها إياها، أو يرسل لها الخديو (محمد توفيق) عشرين ألف جنيه، فرفض، فأخرت فرمان توليته، ولولا وقوف الدولتين المذكورتين في وجهها وتشددهما في أن يخلف (توفيق) أباه في كل ما كان له من الحقوق لراوغت فماطلت فآذت.
غير أن النجاح لم يكلل مساعي (إسماعيل)، هذه المرة، وأبى البرنس فون بزمرك، عميد ذلك المؤتمر، إلا اعتبار مصر ممثلة في أشخاص ممثلي تركيا؛ ووافقت باقي الدول على رأيه، تجنبا لفتح باب قد ينفلت منه شر، فما وسع الخديو إلا الإذعان للواقع.
على أنه، في آخر ساعات ملكه، لما رأى نفسه مهاجما في عقر داره، ورأى أن علاقته بتركيا، على ضآلتها وتفاهتها، هي السبب في البلاء والويل المحيقين به، هب لقطعها بتاتا؛ واستعد لإعلان خروجه على السلطان العثماني، ومقاومة إرادته. غير أنه، إزاء توقعه حلول المصائب على بلاده من جراء ذلك، عدل عن رأيه، وقبل بأن يضحي نفسه، وأن يورث ابنه بعده ملكه، كما هو؛ أي: ملكا لم تعد تربطه بالدولة المتبوعة سوى رابطة جزية مالية أوهى من خيط العنكبوت.
35
على أن المجهودات التي بذلها (إسماعيل) وأدت في نهاية الأمر إلى جعل مصر، فيما عدا الجزية السنوية، مستقلة عن تركيا تمام الاستقلال، كلفته نيفا واثني عشر مليونا من الجنيهات نقدها السلطان عبد العزيز، وحده، زيادة على بضعة ملايين أخرى صرفها في أسفار وإيفاد وفود وهدايا، وتقادم لوزراء ذلك السلطان، وكبار رجال دولته!
الفصل الثالث
إزالة القيد الثالث1
قيد الامتيازات الأجنبية القضائية
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
نامعلوم صفحہ