مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
فما زادت إنجلترا إلا عنادا وإصرارا على الفوز بمرامها، وأقبل قنصلها بالإسكندرية يخوف الأمير (محمد سعيد) من عواقب اكتتابه بالنيف والمائة والخمسين ألف سهم التي أخذها لحساب حكومته من أسهم الشركة الأربعمائة ألف.
ولكن (سعيدا) لم يبال، وما زال واقفا بجانب صديقه دي لسبس يعضده ويشجعه، حتى وافاه الأجل المحتوم، وكان دي لسبس قد رأى بين يديه، ذات يوم، عصا جميلة أحضرها (سعيد) من لندن، أثناء زيارته لها، فأهداه أخرى أجمل منها صنعا، لتقوم مقام تلك العصا الإنجليزية، وتكون تذكارا منه لأميره العزيز، فاتفق (سعيد) معه على أنه إذا دخل عليه ووجده قابضا على عصاه هذه، يخاطبه في شأن القناة بلا خوف ولا وجل، وأما إذا دخل عليه ووجد في يده العصا الإنجليزية فليفهم حالا أن هناك عاذلا، وأن الكلام في شأن القناة لا يناسب.
20
فلما آل زمام حكم القطر المصري إلى (إسماعيل)، أظهر لدي لسبس ارتياحه إلى القناة، ورغبته في أن يتم ذلك العمل المجيد في عهده، ليتشرف ويفتخر به أمام الأجيال المستقبلة، ووعده من تعضيده له، وقيامه بتعهدات سلفه، الخير كله، ولكن ذلك كان عقب ارتقائه العرش مباشرة، في وقت لم يكن يدري فيه بالتمام ما هي تلك التعهدات - لأنه، لا سيما منذ أصبح ولي العهد، كان يتحاشى التداخل في أي شأن من شئون الحكومة لم يكلفه عمه به، منعا لإيجاد أسباب لوشاية دساس، يبغي من إبدائها قربا من (محمد سعيد) وحظوة لديه.
فلما وقف على حقيقتها، امتعض امتعاضا لا مزيد عليه، لما وجده ناجما عنها من مشاركة الشركة لحكومته في صولتها، وإدارتها، وماليتها؛ وود لو أمكنه تعديلها بحيث يجرد الشركة من تلك المشاركة، بدون حرمانها من أي امتياز تجاري، أو مصلحي، يضمنه امتيازها لها.
ثم لما تيقن أن القناة إنما تعمل بأيدي فلاحي مصر، وأن معظم النقود المنفقة عليها، نقود مصرية، ريثما يتجمع رأس المال الأجنبي المكتتب به، ود في صميمه لو تنحت الشركة عن المشروع له، وتركته يقوم وحده، بمجرد الوسائل التي يجدها من بلاده وفيها، بذلك العمل الاجتماعي الجزيل الفائدة، فلا يعود فخر إنشائه وإتمامه إلا إليه، وتعود معظم الفائدة الناجمة عنه إلى قطره المصري، فتجري القناة شرقيه پكتولا
21
جديدا، بينما النيل يجري في وسطه، معين حياة وخيرات أبدية؛ وقد عبر عن شعوره هذا بقوله: «إني إنما أريد القناة لمصر، لا مصر للقناة!»
22
ولكنه، لمعرفته أخلاق دي لسبس معرفة كافية، كان متأكدا من أن الرجل لن يتخلى عن نفاذ مشروعه بنفسه، مهما اضطره نفاذه إلى المناضلة والمقاتلة عنه، فحصر فكره، إذا، في العمل على إزالة ما في الامتياز، الممنوح له، من جائر على حقوق الحكومة المصرية السيادية، فإن أدى ذلك إلى تنحي الشركة عن المشروع، مقابل تعويض موافق يمنح لها، كان خير ما يرام؛ وإلا، فإنه يكون قد فك عن ساعدي حكومته القيد الخماسي الحلقات الذي غلهما به ذلك الامتياز؛ وأعني بها:
نامعلوم صفحہ