مصر خديوی اسماعیل
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
اصناف
فكان يتحتم على (إسماعيل)، في سعيه إلى تغيير عقلية قومه، أن يجتث جذور اعتقادهم بالسحرة والمنجمين، ولكن هل كان ذلك في الإمكان، واعتقاد القوم فيهم يرجع إلى زمان بعيد جدا.
إن ذلك لم يكن ممكنا إلا بنشر أنوار العلم الصحيح، وتعميمها بين طبقات الأمة كافة؛ وهو ما بذل (إسماعيل) جهده في سبيله، كما سبق لنا بيانه، ولا شك في أنه صدم قواعد ذلك الاعتقاد، صدمة زعزعت بنيانها، وجعلتها أضعف من أن تستطيع مقاومة تيار التنور السائر نحو العقول باستمرار، في مجرى التعليم الموجه إليها.
على أن العقبات القائمة دون تحقيق الرغائب لم تكن متولدة عن موروثات الماضي فقط؛ بل إن بعضها كان ناجما عن شبهات حاضرة؛ ومعززا بضعف في دروع القائمين بحركة الإصلاح أنفسهم.
فمن الشبهات المائلة بالعقول إلى الاعتقاد بصدق التنجيم والمنجمين، ما صدر عن منجم تركي وفد إلى القطر ومعه خاتم كان فصه الأحمر ينقلب إلى لون أبيض أثناء الاختبارات؛ فيرى طالبو هذه ظل ما يسألون عنه كأنهم يرونه في مرآه مياه صافية، وقد قام ذلك التركي بتجربة تحول حمار ذلك الفص إلى بياض في سراي الإسماعيلية عينها أمام الأمير محمد توفيق باشا ولي العهد.
5
ومنها ما صدر عن منجم آخر أنبأ ولي العهد هذا نفسه، بحضرة وزير الحربية، بما سيصيب الجيش المصري من انكسار في حملته على الحبشة، أيام كان ذلك الجيش يستعد للمسير إلى محاربتها.
6
نعم إن ميل عقل الأمير محمد توفيق نحو التصديق بمثل هذه الأمور كان مشهورا، وحاملا على إضعاف الثقة بكل ما يروى عن التجارب المعمولة من أي منجم أمامه، ولكنه يجب أن لا يغيب عن الأذهان أن ميل معظم العقول، في ذلك العهد، كان كميل عقل ولي العهد؛ وأن تناقل الألسنة الأنباء عن إجراء التجارب والاختبارات أمامه، واعتقاده بصحتها، كان من شأنه أن يوطد دعائم التصديق بالتنجيم والمنجمين في ألباب العامة.
ومن أدهش مظاهر الضعف في درع (إسماعيل) عينه - وهو العامل على تقويم عقلية رعاياه - الشعور الغريب الذي كان، من جهة، يحمله على كره الإقامة بالإسكندرية؛ لأن منجما أنبأه في حداثته أنه يموت فيها - ونحن نعلم الآن أنه أنبأه بكذب! - وكان، من جهة أخرى، يحمله على الإحجام عن أي عمل ذي بال في يوم الخميس.
ويحكى، للدلالة على ذلك، أنه كان مرة عائدا من الأستانة إلى مصر، على ظهر المحروسة، فقيل له إن الوصول إلى الإسكندرية يكون يوم خميس، فأصدر أمره إلى رجال الآلات بالوصول يوم الأربعاء، فأجابوا: «هذا محال»، فاستدعى (إسماعيل) الميكانيكي الإنجليزي، وقال له: «أريد، حتما، أن نصل إلى الإسكندرية يوم الأربعاء»، فأجابه: «هذا لا يمكن يا مولاي!» فقال (إسماعيل): «يجب!» قال الميكانيكي: «إني إذا حاولت ذلك قد أنسف المركب!» فقال (إسماعيل): «إذا وصلت بنا يوم الأربعاء جعلتك بيكا، وإن لم تصل طردتك من خدمتي!»
نامعلوم صفحہ