وله بدعة أخرى أدخلها في توارث الملك، لم تكن من قبل، وذلك أوصى بالملك بعده لأخيه «مصطفى» المشار إليه بدلا من أن يوصي به لأحد أولاده، كما كان أسلافه يفعلون. فبعد أن كان الملك ينتقل إلى الأبناء بالتسلسل في الأعقاب، صار ينتقل إلى الإخوة أيضا، الأرشد فالأرشد، إلا ما قد يعترض ذلك من نفوذ الإنكشارية، أو دسائس الوزراء ، أو غير ذلك، فالعرش العثماني ما زال ميراثه محصورا في الأبناء من السلطان عثمان الأول إلى أحمد الأول، ثم صار ينتقل إلى الإخوة أيضا ولا يزال، فلنرجع إلى ترجمة السلطان «مراد».
وفي أيام السلطان «مراد» دخلت بولونيا في حماية الدولة العثمانية، وجرت حرب مع دولة الفرس، ودخل العثمانيون «تبريز»، وهي المرة الرابعة لدخولهم فيها.
وفي أيامه، توفي الصدر الأعظم «محمد باشا صقللي» وكان قد حافظ على سيادة الدولة، وتمكن بسياسته من إبرام الصلح مع دول أوربا، وإنشاء عمارة بحرية بعد واقعة ليبانت، فكوفئ على خدماته بالقتل، بسبب دسائس حاشية السلطان فكان موته ضربة على الدولة، وتكاثر تبديل الصدور بعده. (4-2) أحوال مصر في أيامه
أما مصر، فولي عليها بدلا من «حسين باشا» «مسيح باشا» وكان خزندارا عند السلطان «سليم الثاني»، فحكم في مصر خمس سنوات وخمسة أشهر ونصف، ووجه اهتمامه خصوصا إلى إبطال السرقات والتعديات، فكان يقبض على اللصوص ويقتلهم بدون شفقة حتى بلغ عدد من قتل من اللصوص عشرة آلاف، فارتاحت البلاد من شرورهم، ثم عكف على إصلاح شئون الرعية، وكان نزيها لا يقبل الرشوة ولا الهدية.
ومن آثاره مسجد عظيم في ضواحي القرافة لا يزال يعرف باسمه، وقد بناه على اسم الشيخ «نور الدين القرافي» وجعله له ولنسله ملكا حرا، وخصص دخلا معينا للنفقة عليه. وأمر «مسيح باشا» أن تستهل الأوامر والكتابات الرسمية والأحكام بهذه العبارة «الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه، إن المؤمنين إخوة، فاحفظوا السلام بين إخوتكم واتقوا الله.»
وفي سنة 988ه، ولي مصر «حسن باشا» الخادم خزندار السلطان «مراد الثالث» فلم يكن همه إلا جمع الأموال بأية وسيلة كانت، وإعادة ما كان حظره سابقه من الرشوة والهدايا. فبقي على ولاية مصر سنتين وعشرة أشهر. ولما عزل عنها سار من القاهرة خفية، وطلع من باب المقابر، لئلا ينتقم منه أهلها.
وفي سنة 991ه، خلفه «إبراهيم باشا» فأخذ يستطلع ويتحرى ما أتاه سابقه من الاختلاس، فجعل في جامع السلطان «فرج بن برقوق» موظفا خصوصيا لاستماع تشكيات المتظلمين على الوالي السابق من 10 رجب من تلك السنة إلى غاية رمضان. فاطلع على مظالم لا تحصى، من جملتها 1004 أردب قمح من الشون العمومية، باعها «حسن باشا» واستولى على قيمتها، فرفع إبراهيم باشا تقريرا مدققا بشأن ذلك إلى السلطان، فأمر بقتله شنقا.
ثم طاف «إبراهيم باشا» بنفسه يتفقد أحوال المديريات ويتحقق حالتها، وزار أيضا آبار «أمرود» في الصحراء.
وتولى مكانه «سنان باشا الثاني» وكان دفتردارا. وبعد ستة أشهر وعشرين يوما، برح مصر هاربا. وسبب ذلك أنه ساء التصرف، فاشتكاه الناس إلى الآستانة، فجاء «أويس باشا» إلى مصر ليتحرى لتلك التشكيات، فحالما علم «سنان» بمجيئه، فر هاربا.
فتولى «أويس» حكومة مصر سنة 994ه، وكان صارما في الأحكام، وكان في أول أمره قاضيا، ثم صار دفتردارا في الروملي، ثم نقل إلى باشوية مصر. وبقي عليها خمس سنوات وخمسة أشهر وعشرة أيام ، وأراد أن يدرب الجنود، فعصوه، وهجموا عليه في الديوان في 28 شوال سنة 997ه، ونهبوا بيته، وفي جملة ما نهبوا منه ساعة كبيرة، تعرف منها الأيام. ثم ذبحوا الأمير «عثمان» قائد وجاق الجاوشية، وأخربوا بيت قاضي العسكر، وقتلوا قاضيين من قضاة مصر، ثم عمدوا إلى الحوانيت، فنهبوها، كل ذلك والأمراء لا يستطيعون منعهم، والاضطراب يزداد، والثائرون يتمردون، وقد حاول الدفتردار إيقافهم عند حدهم، فذهب سعيه باطلا.
نامعلوم صفحہ