لا غرو إذا غلبت المماليك على أمرهم بعد ما علمت من اضطراب أحوالهم وتغير قلوبهم، وخلو خزائنهم من المال، فالعسكر كيف يحارب بلا مال؟ فقد كانوا في الحرب يأتون إلى القلعة للاستيلاء على جامكيتهم فيجيبهم ولاة الأمر «ليس في هذا اليوم جامكية لأن البلاد خراب والعرب مشتتة في الطرقات.» وكان لهم ستة أشهر لم يقبضوا رواتبهم من اللحم ونحوه. ومن أسباب الكسرة أن جند المغاربة الذين كانوا في مصر، توقفوا عن المحاربة، وقالوا نحن لا نحارب المسلمين، لا نحارب إلا الإفرنج.
ومع ذلك فإن «طومان باي» لم يأل جهدا في ترغيب الجند في الاتحاد والدفاع عن الوطن وشدد عزيمتهم وسبك مناصل، وعمل بندق الرصاص، وأكثر من الرماة.
ولكن الرعب كان سائدا على أهل القاهرة، وعلى الجند، وهؤلاء إنما خرجوا للحرب لأن السلطان كان يجاهد بنفسه، حتى في بناء الاستحكامات، وكان يحمل حجارة بيده لبناء خطوط النار أو حفر الخنادق.
على أن جماعة من رجاله، انحازوا سرا إلى العثمانيين وأهمهم خاير بك صاحب حلب الذي تقدم أنه قامر على الغوري فكان عونا للعثمانيين، ودسيسة لهم عند المصريين. وزد على ذلك أن المماليك كانوا في عصر الانحلال، والعثمانيون في أوائل دولتهم، وقد جاءوا بالمدافع والبارود، ف «طومان باي» جاء متأخرا، وقد فسدت الأمور، فلم يستطع إصلاح شيء، رغم ميله الشديد إلى ذلك. وشدة إخلاصه في الدفاع عن الدولة والوطن وشأنه في ذلك شأن «مروان بن محمد» آخر خلفاء بني أمية فإنه كان حازما، شجاعا، حسن النية، لكنه جاء متأخرا فلم يمنع سقوط دولة بني أمية ولا منع طومان باي سقوط دولة المماليك.
فلما انهزم المماليك، وقد غلبوا على أمرهم، وتعقبهم العثمانيون إلى القاهرة. أخذوا في نهبها، وقد تعود أهلها ذلك في زمن المماليك إذا اختلفوا بينهم، فالعثمانيون أخذوا في نهب بيوت الكبراء، ودخلوا الطواحين، وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش، وأخذوا جمال السقايين، وصاروا ينهبون ما يلوح لهم من القماش إلى القروب وتوجهوا إلى شون القمح بمصر وبولاق، ونهبوا ما فيها من الغلال، وقد قال بعض الشعراء المعاصرين في ذلك:
نبكي على مصر وسكانها
قد خربت أركانها العامرة
وأصبحت بالذل مقهورة
بعدما كانت هي القاهرة
وفي سلخ سنة 922ه، دخل الخليفة المتوكل القاهرة، ومعه وزراء السلطان سليم والجم الغفير من العساكر العثمانية.
نامعلوم صفحہ