280

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

ناشر

دار الفكر

ایڈیشن

الأولى

اشاعت کا سال

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

پبلشر کا مقام

بيروت - لبنان

قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِيجَابُ التَّحَرُّزِ عَنِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأَنْ لَا يُحَدِّثَ عَنْهُ إِلَّا بِمَا يَصِحُّ بِنَقْلِ الْإِسْنَادِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ شَارِحٍ مِنْ حُرْمَةِ التَّحْدِيثِ بِالضَّعِيفِ مُطْلَقًا مَرْدُودٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الطِّيبِيِّ بِقَوْلِهِ " إِلَّا بِمَا يَصِحُّ " - الصِّحَّةُ اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي بِمَعْنَى الثُّبُوتِ لَا الِاصْطِلَاحِيَّةُ وَإِلَّا لَأَوْهَمَ حُرْمَةَ التَّحْدِيثِ بِالْحَسَنِ أَيْضًا وَلَا يَحْسُنُ ذَلِكَ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ هَذَا، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْفُرُوعِ حِسَانٌ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَلَامُهُ أَيْضًا مُشْعِرٌ بِذَلِكَ إِذْ لَمْ يَقُلْ بِنَقْلِ الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ، وَلَكِنَّهُ مُوهِمٌ أَنَّهُ لَابُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ إِلَّا بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ، وَذَلِكَ الثُّبُوتُ إِنَّمَا يَكُونُ بِنَقْلِ الْإِسْنَادِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ رَوَى عَنْهُ مَا يَكُونُ مَعْنَاهُ صَحِيحًا لَكِنْ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَنْهُ، وَاللَّامُ فِي الْإِسْنَادِ لِلْعَهْدِ، أَيِ: الْإِسْنَادِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لِلْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ إِسْنَادٌ أَيْضًا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلِكَوْنِ الْإِسْنَادِ يُعْلَمُ بِهِ الْمَوْضُوعُ مَنْ غَيْرِهِ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. قِيلَ: " بَلِّغُوا عَنِّي " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اتِّصَالُ السَّنَدِ بِنَقْلِ الثِّقَةِ عَنْ مَثَلِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ لِأَنَّ التَّبْلِيغَ مِنَ الْبُلُوغِ وَهُوَ إِنْهَاءُ الشَّيْءِ إِلَى غَايَتِهِ. وَالثَّانِي: أَدَاءُ اللَّفْظِ كَمَا سُمِعَ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَالْمَطْلُوبُ فِي الْحَدِيثِ كِلَا الْوَجْهَيْنِ لِوُقُوعِ بَلِّغُوا مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» . (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) أَيْ: مَجْمُوعَ الْحَدِيثِ. وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَنْ كَذَبَ إِلَخْ. فَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ، عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: حَدِيثُ " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ " مِنَ الْمُتَوَاتِرِ، وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا فِي مَرْتَبَتِهِ مِنَ التَّوَاتُرِ، فَإِنَّ نَاقِلِيهِ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمٌّ غَفِيرٌ.
قِيلَ: اثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِمُ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرَةُ، وَقِيلَ: لَا نَعْرِفُ حَدِيثًا اجْتَمَعَ فِيهِ الْعَشَرَةُ إِلَّا هَذَا، ثُمَّ عَدَدُ الرُّوَاةِ كَانَ فِي التَّزَايُدِ فِي كُلِّ قَرْنٍ.
١٩٩ - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ﵁ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
١٩٩ - (وَعَنْ سَمُرَةَ): بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ (ابْنِ جُنْدُبٍ): بِضَمِّ الْجِيمِ وَيُفْتَحُ، الْفَزَارِيُّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ آخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ (وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ): بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ قِيلَ: إِنَّهُ أَحْصَنَ ثَلَاثَمِائَةِ امْرَأَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، ثَقَفِيٌّ، أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ وَقَدِمَ مُهَاجِرًا، نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسِينَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً. وَهُوَ أَمِيرُهَا لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ. (قَالَا): ﵄ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ) أَيْ: وَلَوْ بِوَاحِدٍ (يُرَى): رُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِرَاءَةِ. أَيْ: يَظُنُّ. وَبِفَتْحِهَا مِنَ الرَّأْيِ أَيْ يَعْلَمُ (أَنَّهُ): أَيِ: الْحَدِيثَ (كَذِبٌ): بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الذَّالِ، وَجُوِّزَ كَسْرُ الْكَافِ وَسُكُونِ الذَّالِ يَعْنِي وَلَمْ يُبَيِّنْ كَذِبَهُ (فَهُوَ): بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا (أَحَدُ الْكَاذِبِينَ): جَمَعَ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ النَّقَلَةِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: سَمَّاهُ كَاذِبًا لِأَنَّهُ يُعِينُ الْمُفْتَرِيَ وَيُشَارِكُهُ بِسَبَبِ إِشَاعَتِهِ، فَهُوَ كَمَنْ أَعَانَ ظَالِمًا عَلَى ظُلْمِهِ.

1 / 282