وخطر لي أن أقوم بجولة استكشافية في مراكز الإشعاع الأصيلة. زرت قوادة قديمة بالشاطبي فجاءتني بفتاة مقبولة للصبوح. وتناولت الغداء عند قوادة ثانية باسبورتنج فأمدتني بامرأة أرمنية فوق المتوسط. أما قوادة سيدي جابر فأهدت إلي فتاة رائعة من أم إيطالية وأب سوري، فأصررت على دعوتها إلى سيارتي. حذرتني من الغيوم المنذرة بالمطر، فقلت لها إني أتمنى أن يهطل المطر. وفي الطريق الزراعي إلى أبي قير هطل المطر واختفى البشر فأحكمت إغلاق النوافذ ورحت أنظر إلى الماء المنسكب والأشجار الراقصة والخلاء النقي الذي لا نهاية له، وقد ذعرت الجميلة وقالت إن هذا جنون، فقلت لها تصوري مخلوقين مثلنا عاريين تماما في سيارة وآمنين رغم ذلك من أي تطفل يتبادلان القبل على انفجارات الرعد ووميض البرق وانهلال المطر، فقالت إنه المحال. فقلت ألا تودين أن تخرجي اللسان للدنيا ومن عليها وأنت في حماية هذه الغضبة الكونية؟ فقالت محال .. محال. فقلت ولكنه سيتحقق بعد ثوان وشربت من فوهة الزجاجة وكلما جعجع الرعد استحثثته على المزيد وتوسلت إلى السماء أن تفرغ مدخرها من الماء. فقالت الجميلة قد تتعطل السيارة فقلت لها آمين .. فقالت: وقد يدركنا الظلام. فقلت وليدم إلى الأبد. فقالت: إنك مجنون .. مجنون. فصحت بأعلى صوتي: فريكيكو .. لا تلمني. •••
على مائدة الإفطار بلغتني الأنباء العجيبة على القرار الذي اتخذته زهرة للتعلم. سمعت تعليقات شتى لم تخل من مزاح، ولكن غلبت عليها روح تشجيع. حز في نفسي الخبر فنكأ الجرح القديم. لقد نشأت بلا رقيب حقيقي فاجتاحني اللهو. ما أسفت على شيء وقتذاك ولكنني أدركت متأخرا أن الزمن عدو وليس بالصديق الذي توهمته. وها هي الفلاحة تقرر أن تتعلم. وقد شرحت لي المدام ظروفها ما بين القرية والإسكندرية. تؤكد لي أنها ليست من توابع المدام، ولعلها ما تزال عذراء إلا يكن سرحان ممن يضيقون بالعذارى، ولكنني قلت للمدام بخبث: ظننت زهرة ...
وأشرت بيدي إشارة، فقالت: لا .. لا.
فتجاهلت الموضوع بغتة قائلا: يجب أن تفكري في المشروع المشترك.
فتساءلت بدهاء قوادة: من أين لي بالمال؟
فهمست باهتمام مصطنع: ماذا لو أردت أن أدعو صديقة إلى هنا؟
هزت رأسها آسفة وقالت: البنسيون مشغول كله، وإذا سمحت لواحد فكيف أرفض لآخر؟ ولكن يمكن أن أدلك على مكان إذا أردت.
ولما صادفت زهرة في الصالة هنأتها على قرارها وقلت لها ضاحكا: شدي حيلك، فعندما يتحقق مشروعي سأكون في حاجة إلى سكرتيرة.
فابتسمت في ابتهاج حتى أطلت آي الملاحة من قسماتها. الحق أن رغبتي فيها لم تمت. ومع سابق علمي بأنني سأشبع منها في أسبوع إلا أنه أسبوع ضروري فيما بدا لي. •••
راحت السيارة تجوب الشوارع والأحياء. في جو صاف هادئ معتدل لدرجة أثارت أعصابي. ولكي أستمتع بأكبر قدر من السرعة الجنونية بلا عائق اتجهت إلى الطريق الصحراوي، فانطلقت فيه بسرعة مائة وعشرين كم، مقدار ساعة، ثم رجعت بنفس السرعة. تناولت الغداء في «بام بام». والتقطت فتاة لدى مغادرتها لمحل حلاق. ثم رجعت إلى البنسيون حوالي العصر. رأيت زهرة جالسة إلى فتاة بالمدخل فأدركت من النظرة الأولى أنها المدرسة. جالست المدام واسترقت إلى المدرسة النظر. لا بأس بها. ثمة احديداب خفيف لا يكاد يلحظ، وفطس بالأنف مقبول بل ومثير. من المؤسف أن فتاة مثلها لا تقبل ليلة حب عابرة. لا بد لأمثالها من علاقة وطيدة طويلة. وقد لا ترضى بذلك أيضا فترمي بنظرها البعيد إلى الزواج متخطية دعوة الثورة إلى تحديد النسل.
نامعلوم صفحہ