وعامر وجدي أثر قديم اكتشفه منصور باهي. فترة جذابة من تاريخنا الذي لا نكاد نعرف منه شيئا.
وعندما نوه طلبة مرزوق بمآثر الثورة لم أملك إلا أن أحيي - في نفسي - نفاقه الممتع. واقتنعت بأن الإنسان رغم ابتكاراته وانتصاراته ما زال غارقا حتى أذنيه في الحماقة والسخف. ولعله من المفيد أن نجمع الأعداء على فترات ليقضوا معا ليلا طويلا وهم يسكرون ويطربون ويملئون أنفسهم بأعذب الألحان. ••• - إذن فأنت لا تؤمن بوجود الجنة والنار؟ - الجنة هي المكان الذي يتمتع فيه الإنسان بالأمن والكرامة، أما النار فهي ما ليس كذلك. •••
وعندما يضحك منصور لقفشاتي يتبدى كطفل رائع، فراودني أمل بأنني سأهتدي إلى الدرب الموصل إلى قلبه، وبأن صداقة حارة ترصدنا في نهاية السهرة. أما حسني علام - ليحيا حسني علام - فقد قدم وحده للسهرة زجاجتين من الديوارس. تسلطن على مقعده كعمدة، يملأ الكئوس ويوزعها، ويجلجل بضحكاته، وعندما اختفى فجأة عقب منتصف الليل منيت الجلسة بخسارة فادحة.
ولم أستمتع بأم كلثوم كالعادة، ولا رددت معها بعض المقاطع، ولكن نشواتي تفاعلت كسيال كهربائي مع زهرة. عندما تجيء وعندما تذهب، وهي جالسة عند البارفان تتفرج على عربدتنا بعين داهشة باسمة. وبالنظرات المختلسة تعانقنا، وتبادلنا القبلات والأشجان. •••
لا شك أنني رأيت هذا الرجل من قبل. كلا، كان مقبلا على التريانون من ناحية شارع سعد وكنت مقبلا عليه من ناحية الميدان. سرعان ما عرفت طلبة مرزوق! رأيته لأول مرة بملابسه الكاملة متدثرا بمعطفه والكوفية مغطيا رأسه بطربوش غامق الحمرة. صافحته بإجلال ثم دعوته إلى فنجال قهوة. أذعن لإلحاحي فجلسنا معا إلى مائدة خلف الزجاج المغلق المطل على البحر. كان الهواء يلعب بسعف النخيل المحدق بتمثال سعد وفي السماء غيم رقيق تضيء الشمس أطرافه بلون ماسي. تبادلنا حديثا عاديا لا معنى له ولا طعم، ولكني حرصت طيلة الوقت على احترامه ومجاملته والتودد إليه. شيء في أعماقي قال لي إنه لا يمكن أن يكون خالي الوفاض تماما. أجل، هناك طريقة أو أخرى، ولعله يود أن يستثمر ما لديه ولكن الخوف يكبله. وقلت تفريعا عن حديث المعيشة: من العبث أن يعتمد شاب مثلي على مرتب وظيفته. - وما حيلته في ذلك؟
خفضت صوتي كأنما أودعه سري وأنا أقول: مشروع تجاري .. هذا ما أفكر فيه. - ومن أين لك بالمال؟
فقلت وأنا أداري أفكاري بابتسامة بريئة: أبيع بضعة أفدنة ثم أبحث عن شريك. - ولكن هل يمكن أن تجمع بين الوظيفة والتجارة؟
قلت ضاحكا: على المشروع أن يبقى سرا من الأسرار.
تمنى لي التوفيق ثم بسط الجريدة ليلقي عليها نظرة. كأنما قد نسي الموضوع تماما. جائز أن يكون صادقا، ومحتمل أن تكون مناورة، ولكن أدركني إحساس باليأس منه.
وأشار إلى عنوان أحمر عن ألمانيا الشرقية، وقال: ولا شك أنك سمعت بعض ما يقال عن بؤس تلك المنطقة، وبخاصة إذا قورنت بالمنطقة الغربية.
نامعلوم صفحہ