منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس
منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس
ناشر
دار الهداية للطبع والنشر والترجمة
اصناف
عقائد و مذاہب
النبي ﷺ أو قبور غيره، وأن سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرة، ونحو ذلك؛ فهذا كله حق ليس مما نحن فيه. والأمر أجل من ذلك وأعظم. وكذلك أيضا ما يروى: "أن رجلًا جاء إلى قبر النبي ﷺ فشكى إليه الجدب عام الرمادة فرآه في النوم وهو يأمره أن يأتي عمر فيأمره أن يخرج ويستسقي بالناس" فإن هذا ليس من هذا الباب، ومثل هذا يقع كثيرًا لمن هو دون النبي ﷺ وأعرف من هذا وقائع.
وكذلك سؤال بعضهم للنبي ﷺ أو لغيره من أمته حاجته فتقضى لهم؛ فإن هذا قد وقع كثيرًا وليس هو مما نحن فيه.
وعليك أن تعلم أن إجابة النبي ﷺ وغيره لهؤلاء السائلين ليس مما يدل على استحباب السؤال فإنه هو القائل ﷺ: "إن أحدكم ليسألني المسألة فأعطيه إياها فيخرج بها يتأبطها نارًا، فقالوا: يا رسول الله فلم تعطهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل". وأكثر هؤلاء السائلين الملحين لما هم فيه من الحال لو لم يجابوا لاضطرب إيمانهم، كما أن السائلين له في الحياة كانوا كذلك، وفيهم من أجيب وأمر بالخروج من المدينة. فهذا القدر إذا وقع يكون كرامة لصاحب القبر. أما أنه يدل على حسن حال السائل فلا فرق بين هذا وهذا. فإن الخلق لم ينهوا عن الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد استهانة بأهلها، بل لما يخاف عليهم من الفتنة، وإنما تكون الفتنة إذا انعقد سببها فلولا أنه قد يحصل عند القبور ما يخاف الافتتان به لما نهي الناس عن ذلك، وكذلك ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين، مثل: نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقي الشياطين والبهائم لها واندفاع النار عنها وعمن جاءها وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى، واستحباب الاندفان عند بعضهم وحصول الأنس والسكينة عندها، ونزول العذاب بمن استهان بها؛ فجنس هذا حق ليس مما نحن فيه. وما في قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ﷿ ورحمته وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق (١)، لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك.
(١) قال الشيخ حامد الفقي: "لا ندري من أين قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ وغفر له كل هذا في قبور الأنبياء=
1 / 168