الواقع، تفرغ باقي الرعية لمصالحهم ومصالح السلطان والأجناد وغيرهم، من الزراعة والصنائع وغيرها، مما يحتاج الناس كلهم إليها، فجهاد الأجناد مقابل بالاخبار المقدرة لهم، ولا يحل أن يؤخذ من الرعية شئ ما دام في بيت المال شئ من نقد أو متاع أو أرض أو ضياع تباع، أو غير ذلك. وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان - أعز الله أنصاره - متفقون على هذا، وبيت المال بحمد الله تعالى معمور، زاده الله عمارة وسعة وخيرا وبركة في حياة السلطان المقرونة بكمال السعادة والتوفيق والتسديد، والظهور على أعداء الدين، وما النصر إلا من عند الله، وإنما يستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم وملازمة أحكام الشرع. وجميع ما كتبناه أولا وثانيا، هو النصيحة التي نعتقدها وندين الله بها، ونسأله الدوام عليها حتى نلقاه، والسلطان يعلم أنها نصيحة له وللرعية، وليس فيها ما يلام عليه، ولم نكتب هذا للسلطان إلا لعلمنا أنه يجب الشرع ومتابعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالرعية، والشفقة عليهم، وإكرامه لآثار النبي صلى الله عليه وسلم. ول ناصح للسلطان موافق على هذا الذي كتباه.
وأما ما ذكر في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفار كيف كانوا في البلاد، فكيف يقاس ملوك الاسلام وأهل الايمان وأهل الايمان والقرآن بطغاة الكفار؟
وبأي شئ كنا نذكر طغاة الكفارة وهم لا يعتقدون شيئا من ديننا؟
وأما تهديد الرعية بسبب نصيحتنا، تهديد طائفة العلماء، فليس هو المرجو من عدل السلطان وحلمه، وأي حيلة لضعفاء المسلمين الناصحين نصيحة للسلطان ولهم، ولا علم لهم به؟ وكيف يؤاخذون به ولو كان فيه ما يلام عليه؟ وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان، فإني أعتقد أن هذا واجب علي وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله تعالى، * (إنما هذه الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) * وأفوض أمري إلى الله، ان الله بصير بالعباد وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول بالحق حيثما كنا، وأن لا نخاف في الله لائم، ونحن نحب للسلطان أكمل الأحوال، وما ينفعه في آخرته ودنياه، ويكون سببا لدوام الخيرات له، ويبقى ذكره على ممر الأيام، ويخلد به في الجنة، ويجد نفعه * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) *
صفحہ 71