============================================================
منهع القاصين ونعي الصدهين له الممتنع، وليس في وجود ذلك ما يؤذي الدين، إنما ينبغي أن تقع المجاهدة لقصد الرئاسة بالكبر والعجب، فأما أن يترك العلم، فلا.
فاعتمد على هذا، وانظر إلى أئمة الدين من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار هل فيهم من امتنع من نشر العلم لهذا الخاطر؟ وقد كان مالك بن أنس يتوضا ويتطيب ويستند ويتمكن ويقول: حدثنا فلان. ولا يلتفت إلى ما يروى عن بشر الحافي أنه قال: حدثنا، باب من أبواب الدنيا. وأنه دفن كتبه، فإنه لو وافقه الأئمة في زمانه على هذا درس العلم.
ولا ينكر أن للنفس في نشر العلم دفينة، ولكن ينبغي أن تجاهد وثترك أسبابها وقد حصلت السلامة. فإن قلت: فقد روي عن سفيان أنه دفن كتبه. فاعلم أن سفيان كان يحدث عن قوم ضعفاء فيدلسهم، فندم على ذلك واختلط حديثه، فدفن الكل، فهذا سبب يجيز ما منعنا منه: فصل ومن صفات علماء الآخرة أن يعلموا أن الدنيا حقيرة، وأن الآخرة شريفة، وأنهما كالضرتين، فيؤثرون الآخرة، فلا ثخالف أفعالهم أقوالهم، ويكون ميلهم إلى العلم النافع في الآخرة، ويجتنبون العلوم التي يقل نفعها إيثارا لما يعظم نفعه، كما روي عن شقيق البلخي أنه قال لحاتم: قد صحبتني مدة فماذا تعلمت؟ قال: ثمان مسائل: أما الأولى: فإني نظرث إلى الخلق، فإذا كل شخص له محبوب، فإذا وصل إلى القبر فارقه محبويه، فجعلث محبوبي حسناتي لتكون في القبر معي: وأما الثانية: فإني نظرث في قوله تعالى : { ونهى النفس عن الموك} [النازعات: 40] فأجهدتها في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله سبحانه.
وأما الثالثة: فإني رأيت أن كل من معه شيء له قيمة عنده يحفظه، ثم نظرت في قوله تعالى: ما عندكر ينفد وما عند الله باق [النحل: 96]. فكلما وقع معي شيء له قيمة وجهته إليه ليبقى لي عنده.
صفحہ 70