منهاج المتقين في علم الكلام
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
اصناف
ثم يقال له: هل يقدر أبو الحسين على أن يقول، وتقدر أنت على أن تتعجب، فإن قال: نعم نقدر على ذلك فقد ترك مذهبه، وهو بأن يتعجب من نفسه أولى. وقيل له: فهل تقدر على أن تترك قوله وتقدر على أن تترك تعجبك أم لا، فإن قال: نعم، أبطل مذهبه، وإن قال بالثاني، قيل له: فأي لوم عليه في قوله وأي فضل لك في تعجبك، وهل هذا إلا بمنزلة من يذم غيره على أنه يشتهي الحامض ويمدح نفسه على أنه يشته الحلو، ويذم الحجر لأنها تهوي ويمدح الدخان لأنه يتصاعد، وإن قال: لا يقدر أبو الحسين على أن يقول ولا أقدر على أن أتعجب، قيل له: فأنت أبدا تحكي الأكاذيب فتقول قال أبو الحسين وتعجبت وأنت تعلم أن أبا الحسين لم يقل وإنما الذي قال هو الله الذي فعل القول في أبي الحسين كما فعله في الشجرة التي تؤدي منها موسى ومن بلغ معه الإلزام إلى هذا الحد، فهو حقيق بأن يرق له ويرحم.
فصل
وقد استدل سائر الشيوخ بوجوه من الأدلة، منها: أن أفعالنا توجد بحسب قصودنا ودواعينا، وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الحال تحقيقا أو تقديرا، فلولا أنها من فعلنا لما وجب فيها ذلك، وهذان أصلان، أما الأول فدليله أن أحدنا متى اعتقد أو ظن أن له في الفعل جلب نفع أو دفع ضرر وهو قارد عليه غير ممنوع منه فإنه يقع منه لا محالة حتى انه لو لم يقع علمنا أنه غير قادر، وبهذه الطريقة علمنا أن العرب عجزوا عن معارضة القرآن، وكذلك إذا توفرت صوارفه بأن يعتقد أو يظن أن في الفعل جلب ضرر أو فوت نفع وهو قادر عليه وغير ملجأ إلى فعله فإنه لا يفعله وهذا معلوم ضرورة.
صفحہ 286