منهاج المتقين في علم الكلام
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
اصناف
فإن قيل: كما أن احدنا لا يفعل القبيح لاجتماع هذه الأوصاف فهو لا يفعل الحسن إلا لجلب نفع أو دفع ضرر، وهو مستحيل في حقه تعالى، وإذا لم يصح الجمع بين /183/ الشاهد والغائب في الوجه الذي لأجله يفعل الحسن لم يصح الجمع بينهما في الوجه الذي لأجله يترك القبيح.
قلنا: دل الدليل على اتفاق الغائب والشاهد في الوجه الذي لأجله يترك القبيح فيجب اشتراكهما في ترك القبيح ولم يشتركا في الوجه الثاني لأجله فعل الحسن وهو الجلب والدفع، وبعد فأحدنا كما يفعل الحسن لجلب نفع أو دفع ضرر فقد يفعله لحسنه ولكونه إحسانا لولا هذا لم يكن لأحد على أحد نعمة لأنه يكون قد قصد بما فعله نفع نفسه أو الدفع عنها، بل قد يذم إذا لم يقصد ذلك، فيقال: فعله رياء وسمعه أو لنفع نفسه، وبعد، فكل عاقل يستحسن بكمال عقله إنقاذ الغريق وإرشاد الضال والإحسان إلى الغير بالصدقة ونحوها، واعترضه المجبرة بما تقدم من أصل الفلاسفة في المشهورات، وهو أن هذا الاستحسان لم يكن للعقل بل لسبب خارج من رقة طباع أو تأديب شرعي أو محبة التسالم أو نحو ذلك.
وأجاب أصحابنا بأنا نفرض الكلام في رجل خاسي القلب لا يعرف الله ولا الدار الآخرة، ولا شيئا من الشرعيات، فإنه يستحسن بكمال عقله ذلك. واعرضه الرازي بأنه وإن عري عن هذه الأسباب فهو يتخيل حصولها، وذلك لأن الضلال والغرض يلازمان رقة الطبع غالبا، وكذلك الصدقة وحسن الأخلاق يلازم التأديب الشرعي.
وبالجملة فكل شيء مما يقضي به العقل عندكم يلازم سببا مما ذكرناه في الغالب، فإذا رأى أحدنا رجلا يتردى أو يغرق ظن أن رقة الطبع حاصلة فحينئذ يستحسن الإرشاد والإنقاذ، وصار الحال فيه كالحال في الحبل المبرقش المشبه للحية فإن الإنسان لما رأى الضرر يلازم البرقشة في الحية والحنش وتوهم أن الحبل المبرقش حية نفر طبعه وإن لم يكن هناك ضرر.
صفحہ 280