[فصل في مزاعم أهل السفسطة عن ماهية العلم]
فصل
زعم أهل السفسطة والعنود أنه لا يصح العلم بشيء، وانه لا حقيقة لشيء، وأن ما يشاهده العقلاء حال اليقظة كما يشاهدونه حال النوم.
ومنهم فرقة تسمى الآدرية؛ لأنهم يقولون في كل شيء لا يدري، والكلام مع الكل يقع على جهة بيان أنهم كاذبون على أنفسهم لا على جهة المناظرة؛ لأنه كيف يصح مناظرة من ينكر الضروريات التي لا يدخلها شك، فيقال لهم: أتعلمون أنه لا حقيقة لشيء، فقد تركتم مذهبكم أم لا تعلمون، فلم قلتم أنه لا حقيقة لشيء؟ ولم لا تجوزون خلاف ما ذهبتم إليه؟ وإذا جوزتم /17/ فهل تعلمون ذلك الجواز أم لا؟
ويقال لهم: بماذا تجنبون ما يضر وتتبعون ما ينفع، وكيف ميزتم بين ذلك؟
فإن قالوا: بظن ذلك، قيل لهم: وهل تعلمون أنكم تظنون؟ وهل تعلمون الفصل بين العلم والظن، وما يتعلق الظن أم لا.
فإن قالوا: نعم تركوا مذهبهم.
وإن قالوا لا، عاد السؤال.
ويقال لهم: إنكم إذا سئلتم عن الشيء قلتم لا ندري، أفتعلمون أنكم لا تدرون أن قولكم لا ندري يطابق مذهبكم، وهل تعلمون الفصل بين لا ونعم.
شبهتهم: ما يقع من الغلط في المناظر ويتخيلها العقلاء على خلاف حقيقتها كالسراب يظنه العاقل ماء، وكحبة العنب يرى في الماء، كالإجاصة وكالشجرة ترى على الشط منكسة، وكالشط يراه راكب السفينة كأنه سائر، ونحو ذلك.
والجواب: أن هذه شبهة إنما يتأتى على القول بأن للأشياء حقائق يقع اللبس في بعضها، فإما على قولهم فلا يصح، وعندنا أن ذلك اللبس لأمر يرجع إلى الأشعة ومحاولة بعض أجزاء المرئيات لبعض، ثم نقول لهم وهل تعلمون أن العنبة أصغر من الإجاصة وأ نالسراب ليس بماء، ونحو ذلك مما عدوه .
فإن قالوا: نعم، بطل مذهبهم، وإن قالوا لا سقطت شبهتهم.
القول في وجوب معرفة الله
ذهب الجمهور إلى أنه يجب على كل عاقل أن يعلم الله تعالى على الجملة وما يجب له، ويستحيل عليه وما يحسن منه ويقبح.
وقال أبو علي الأسواري والجاحظ وغيرهما: المعارف ضرورية، فلا يجب. وجوزه السيد المؤيد بالله في حق الأنبياء والأولياء.
وقال قوم: التقليد جائز في حق كل عاقل، فلا تجب المعرفة.
صفحہ 26