195

منهاج المتقين في علم الكلام

كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)

فصل في ما يريده الله تعالى وما لا يريده

وأما أفعاله تعالى فجميعها مرادة له؛ لأن كل واحد منها يتعلق به عرض يخصه إلا الإرادة، فإنها تفعل تبعا لغيرها، فلذلك لا يكون تعالى مريدا لها؛ ولأن جميع أفعاله تعالى حكمة، وهي إنما يكون كذلك بالإرادة التي يخصصها بوجه دون وجه، فأما الإرادة نفسها فهي من حيث يقع تبعا للمراد هي كالجزء منه فلا يحتاج إلى الإفراد بالإرادة ولا يخرج عن كونها حكمة، وهذا الكلام في إرادته تعالى المتعلقة بأفعاله، فأما إرادته المتعلقة بفعل غيره فيجب أن يريدها تعالى لأنها ليست بفعل تبعا لغيرها بل لغرض يخصها، وإنا لم يجز أن يكره من أفعال نفسه تعالى؛ لأنها لا تقع منه ولا هو ممن يصح عليه الزجر والجهل بالقبيح حتى يقال يفعل الكراهة زجرا لنفسه وتعريفا لها بالقبيح كما يفعل الكراهة المتعلقة بفعل الغير، وإن كان المعلوم أن ذلك الفعل لا يقع.

فإن قال: هل يجوز أن يريد كل جزء من أفعاله تعالى بإرادة مستقلة أو قد يريد جملة أفعال بإرادة واحدة.

قيل له: كل جزء يستقل بالغرض الذي فعل لأجله، فإنه يراد بإرادة تخصه كالجوهر ونحوه، وكل جزء لا يتم الغرض به وحده بل لا بد من انضمام غيره إليه فإنه يراد هو وجميع ما لا يتم الغرض به وحده بل لا بد من انضمام غيره إليه، فإنه يراد هو وجميع ما لا يتم الغرض إلا به بإرادة واحدة كالخبر والأمر، فإنه لا يكون كذلك إلا بمجموع حروف، فإرادة جميع تلك الحروف واحدة (فراغ) أفعال غيره تعالى، فما كان منها مكروها أو فعلا يسيرا أو صادرا من غير مكلف فلا يريده تعالى ولا يكرهه اتفاقا بين الشيوخ، وكلما كان منها قبيحا فاتفق الشيوخ على أنه لا يريده وأنه يكرهه، وكلما كان منها واجبا أو مندوبا فاتفقوا أنه يريده ولا يكرهه واتفقوا أيضا على أنه تعالى لا يريد المباح في الدنيا لأنه لا مزية لفعله على تركه ولو أراده لترجح فعله، فكان واجبا أو مندوبا.

صفحہ 199