معه من أفاضل الصحابة والتابعين لما وافقهم في تحكيم الحكمين، ثم زعموا أن تحكيم الرجال في دين الله كفر يخرج عن الملة، وأنهم قد أثموا بذلك، وكفروا فتابوا من هذا الأمر، وقالوا لعلي: "إن تبت فنحن معك ومنك، وإن أبيت فإنا منابذوك على سواء".
فإذا تبين لك أن ما فعلوه إنما هو إحسان ظن بقرّائهم الذين غلو في الدين، وتجاوزوا الحد في الأوامر والنواهي، وأساءوا الظن بعلماء الصحابة، الذين هم أبرّ هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإظهار دينه، فلما لم يعرفوا فضلهم ولم يهتدوا بهديهم؛ ضلوا عن الصراط المستقيم الذي كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ وزعموا أنهم داهنوا في الدين (١) .
والذي حملهم على ذلك أخذهم بظواهر النصوص في الوعيد، ولم يهتدوا لمعانيها، وما دلت عليه، فوضعوها في غير مواضعها، وسلكوا طريقة التشديد والتعسير والضيق، وتركوا ما وسع الله لهم من اليسير الذي أمر الله به رسوله ﷺ بقوله: "إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين" (٢) .
_________
(١) فتأمل _أيها السني- هذه الأسباب الثلاثة، التي دفعت الخوارج إلى الوقوع فيما وقعوا فيه:
١- إحسان الظنّ بالقرّاء. وهم الذين يحسنون القراءة ويجيدون الخطابة؛ ولكنهم خواء من الفقه.
٢- تجاوز الحد في الأوامر والنواهي.
٣- إساءة الظن بالعلماء من الصحابة، واتهامهم بأنهم مداهنون في دين الله تعالى.
(٢) أخرجه الترمذي في "سننه": (١/٢٥٧-٢٧٦) في قصة الأعرابي بال في المسجد عن أبي هريرة. وأصل الحديث في "صحيح البخاري"، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.
1 / 64