العداوة فيصدق عليه قول السائل: لم يعاد المشركين. فهذا هو الأمر العظيم والذنب الجسيم. وأي خير يبقى مع عدم عداوة المشركين.
والخوف على النخل والمساكن ليس بعذر يوجب ترك الهجرة. قال الله تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ (العنكبوت:٥٦) انتهى.
فإذا عرفت هذا وتبين لك فالشأن كل الشأن، والخوف كل الخوف على من هاجر من إخواننا الذين دخلوا في هذا الدين وأحبوه، ورغبوا فيما عند الله والدار الآخرة، وتركوا ملاذ أنفسهم وشهواتهم لله، وحصلت لهم هذه الفضائل العظيمة والمواهب الجسيمة. ثم صار بعضهم ممن ليس له علم ولا معرفة بمدارك الأحكام الشرعية يسعى ويكدح في إبطال هجرته أو ما يقدح فيها أو ينقص أجرها وثوابها، مما قد يجري على ألسنة كثير منهم من الأمور التي أحدثها وابتدعها من تجاوز الحد، وغلا في الدين، واتبع غير سبيل المؤمنين.
فمن ذلك قولهم: إنه لا إسلام لمن لم يهاجر من الأعراب، وإن كان قد دخل في الدين وأحبه ووالى أهله، وترك ما كان عليه أولا من أمور الجاهلية إلا أن يهاجر، ومن لم يهاجر فليس بمسلم عندهم.
ومن ذلك أيضا أنه إذا مرت قافلتهم على بعض الأعراب الذين ظاهرهم الإسلام وفيهم من تميز بمعرفة الدين والدخول فيه وترك ما كانوا عليه من أمور الجاهلية لم يسلموا عليهم ابتداء، ولا يردون السلام عليهم، ولا يأكلون ذبائحهم، لأنهم لم يهاجروا معهم.
1 / 30