تمهيد
تضم الصفحات التالية معظم شعري ما بين سنة 1942م، وسنة 1949م، وقد ضاع جانب من مخطوطه في خلال نقلتي من مصر إلى أمريكا سنة 1946م وفيما انتابتها من محن، كما ضاع بعض الصور الفنية وفي مقدمتها «رحلة الزمان» و«خلائق اليوم»، ولكن في هذه النماذج الميسورة ما يكفي تمثيلا لشعوري ولخواطري في أثناء هذه السنين، ولمبلغ تفاعلي النفساني مع الأوساط التي عشت فيها. ولعل بها ما يرضي مطالب الناقد الأدبي وقراء الشعر الحديث.
ويطيب لي في هذه المناسبة أن أهدي خالص الشكر إلى لجنة النشر التي تكفلت بإصدار هذا الديوان وأكرمت في شخص صاحبه ما عددته إكراما للشعر العصري ورواده، لا إكراما لشخصي وأدبي فحسب. كذلك يطيب لي أن أشكر لدار (الهدى) عنايتها الفائقة بطبعه وإخراجه في هذا المظهر الفني القشيب.
أحمد زكي أبو شادي
نيويورك
التجربة الشعرية
بقلم صاحب الديوان
للشعر مقومات تتنوع في تركيبها ولكن لا ينفرد أيها به. وأولى مقومات الشعر الصادق التجربة الشعرية؛ أي تأثر الشاعر بعامل معين أو بأكثر واستجابته إليه أو إليها استجابة انفعالية قد يكتنفها التفكير وقد لا يكتنفها، ولكن لا تتخلى العاطفة أبدا عنها، إذ إنهما حينما تبتعدان يتجرد الشعر من أبدع صفاته الأصيلة ويصبح نظما خلابا على أفضل تقدير، أو ينعت «بشعر الذكاء» تجاوزا. والنماذج لذلك كثيرة غالبة، ومهمة النقد الفني تثبيطها بل استئصالها. وحينما يصبح الشعر موضوعيا فإن الشاعر القدير في قصته أو في ملحمته يتمثل العواطف لشخصيات روايته ويخلعها عليها كما يصنع الممثل على المسرح، أو يعبر عن إحساسه ضمن الموضوع الذي يعالجه.
والتجربة الشعرية قد تكون عظيمة كما قد تكون تافهة في ظاهرها، ولكن الشاعر الكبير قادر بتأثره وتفاعله على إبداع الجليل من التافه؛ لأنه يراه بمرآة نفسه الكبيرة التي كيفتها عوامل شتى ممتازة، ويتمثل الإنسانية عامة لا شخصية فرد في شعره، وهكذا يأتي بالممتاز المعجب من أبسط التجاريب في ظاهرها المألوف. وقد تكون العاطفة متجلية في الشعر، كما قد تكون مستورة. ومن الطراز الأول عاطفة الود التي أنطقت المتنبي بمثل هذه الأبيات الخالدة التي تناسب كل زمان ومكان، وتعبر عن شعور الإنسان إطلاقا، وإن كانت مناسبتها الظاهرة عتب المتنبي على سيف الدولة قبيل النزوح عنه:
يا من يعز علينا أن نفارقهم
نامعلوم صفحہ