من النقل إلى الإبداع

حسن حنفی d. 1443 AH
162

من النقل إلى الإبداع

من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص

اصناف

كما يشار إلى العرب لغة وبيانا. ومع العربية تضاف السريانية. فالعبادات ثلاث وثلاثون حرفا، ثمانية وعشرون في السريانية، وخمس في اللغات الأخرى طبقا للتقابل بين الشعائر والحروف. ويشار أيضا إلى الواقع المحلي الجغرافي التاريخي كمادة للأمثلة، قريش، ونيسابور بأمثلة للجنس المنطقي، ومكة كمثل للحج الذي يقصده الناس بالرغم من عناء السفر، والعراق كمثل للخصب والاعتدال وأحد أسباب غلبته. كما تذكر بغداد كدار هجرة بني العباس، مكانا لوفاة الإمام، والجيزاية مكانا لدفنه.

ولما كانت ملة الإسلام ظاهرة، وامتلأ العالم بالمسلمين فإن ذلك يكون بفعل فاعل. وعلى مقدار شرفه يكون شرف رسوله على سائر الرسل.

والنبوة قاصرة على أهل بيت النبوة ولا تخرج من نسل النبي، وهو التصور اليهودي الذي يجعل النبوة وقفا على بني إسرائيل كنوع من تقوية النفس ضد القبائل الأخرى في صراع القوى. ومن ثم فكل المتنبئين مثل مسيلمة الكذاب وطلحة والقطري وغيرهم مهما اجتهدوا في وضع شيء ينبع من قلوب الناس ويستقر في عقولهم فإنهم لا يستطيعون إقناعهم لأنهم ليسوا من بيت النبوة وكأن الإقناع بالنسب والذرية وليس بالعقول والحجية. ولا تخرج الإمامة أيضا عن بيت الأئمة وهو بيت النبوة. فإذا خرجت إلى أولاد تيم وعدي وأمية ظهرت الفتنة ودب الشقاق وسفكت الدماء، ونهبت الأموال، واستحلت الفروج. وازداد الشر كل يوم حتى لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، ويرجع الناس إلى الجاهلية، وانشغل الإمام بلذاته الحسية، وشهواته الجسدية، ولم يراع شئون الرعية بل سامها أشد أنواع الظلم والجور. أما إذا كان من بيت النبوة فإنه يرعى مصالح العامة ويزهد في الدنيا ويهديهم سواء السبيل. فالناس لا تستقر إلا في بيت النبوة والإمامة. وهو وصف العلويين. فهم أيضا من بيت النبوة والإمامة. وكلاهما إلى رسول الله منتسب.

وتشهد الطبيعة عند الشيعة على بقاء النبوة في نسل واحد. فالمعادن توجد في بقع عديدة دون أن تنتقل إلى غيرها. والحيوان أيضا موجود في بيئات خاصة دون غيرها مثل الفيل والببغاء في الهند، والسباع في المغرب. وكذلك يوجد البشر في بقاع مختلفة مع خصائص متغايرة مثل الضيافة عند بني مدلج، وزجر الطير في بني أسد، والخفة واللعب في أهل الهند، والصناعات العجيبة عند أهل الصين، والفلسفة عند اليونان. لكل شعب خاصيته لا يشاركه فيها غيره. أما النبوة فغير متنقلة من بقاع إلى بقاع على عكس الحكمة التي لا يخلو منها موضع في العالم، الحكمة لا يستحقها إلا ذوو الفضل في حين أن الحكمة قد تكون قرينة لمن لا يستحقها من تركي وصقلبي. وهذه محاباة للنبوة ضد الحكمة فالحكمة أيضا تقوم على الفضيلة. العلم فضيلة، والجهل رذيلة. بلاد السند والهند والصين والزنج والترك والخزر والصقالبة والروم كلها خالية من النبوة ولا تخلو من ملك يحكمها. أما النبوة فقاصرة على مكة إلى الشام وبيت المقدس. وهي متعددة الأسماء مثل تعدد الأجناس والأنواع، اليهودية والنصرانية والصابئة والمجوسية والثنوية. وهذا تحديد جغرافي للنبوة ولماذا استبعاد أنبياء الشرق؟

وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ؟ ولماذا وضع المجوس والثنوية ضمن النبوة وهما خارج المنطقة الجغرافية الممتدة من الحجاز إلى الشام؟ كما أنهما ديانات طبيعية وليسا ديانات وحي كما أقر بذلك الشيعة من قبل؟

42

وتقوم ملة الإسلام على أركان خمسة بناء على الحواس الخمس نظرا للتقابل بين عالم الشرع وعالم البدن. وهو قائم أيضا على أركان سبعة إذا أضيف إلى الأولى الجهاد وطاعة أولي الأمر. والواقع أنهما ركنان متضادان نظرا لأن الجهاد قد يكون ضد الحاكم الظالم، وأن طاعة ولي الأمر مشروطة بطاعة الله وإلا وجب الخروج عليه بعد النصيحة له والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واللجوء إلى قاضي القضاة. كما أن أهل السنة يركزون على طاعة أولي الأمر لأنهم في الحكم، والشيعة تركز على الجهاد لأنهم في المعارضة. ومن آثار النبوة إحاطتها بالأشخاص عند التكوين وبعد الفساد مثل إيجاب العقيقة عن المولد وذبح شاة طبقا لعادة الساميين في سيل الدماء دليلا على التقرب إلى الله، وتطورا من التضحية للبشر في الديانات القديمة إلى التضحية بالحيوانات عند الساميين حتى العقيقة في اليهودية والإسلام. وقد قبل الإسلام أهل الذمة كجزء من أمته نظرا لوحدة دين إبراهيم. ووقع النسخ في شريعة الإسلام. كانت الخمر حلالا ثم حرمت. وكانت الصلاة إلى بيت المقدس ركعتين ثم ركعتين ثم حولت إلى الكعبة أربع ركعات. وهذا لا يدل على فساد الشريعة بل تأكيدها وتثبيتها. كما أن الإسلام إذا دخل بلدا غلب باقي البلدان وفتحها. فهو قوة في الأرض. كما تستطيع النبوة التوحيد بين القلوب، بين الغرباء قبل الأقرباء. فقد يبغض الإنسان ولده وأخاه، ويحب مملوكه من السند والترك.

43 (د) فرق الشيعة

والشيعة لهم أئمة أكثر مما لديهم من فرق اثني عشرية أو إسماعيلية. وأئمتهم مثل علي بن أبي طالب، وجعفر الصادق، والحسن، والحسين، ومحمد بن إسماعيل، وعلي زين العابدين. علي بن أبي طالب هو مصدر العلم وعديد من الروايات عن العقائد والشعائر. وعبادة الاسم دون المعنى كفر. كما أنه طبق الشريعة. قطع يد السارق، وجلد الزاني، وحد المفتري، وأقام الحدود، وجاهد في سبيل الله. وهو أحق بالعودة الروحانية. كما يروى عن مآثره ومناخبه أنه نجم الله الثاقب وحبل الله المتين وعروته الوثقى التي لا انفصام لها. لم يشرك بالله طرفة عين لأنه لم يتصل إلا بدعوة الحق أي دعوة الرسول دون شك أو ارتياب. ويتم تحقيق مناط الآية في علي. فالشفع والوتر يشيران إليه. وهو الثاني الذي يبعث ويرجع. كما تروي العامة أنه رد طلاق النساء لأنه أمر له بالتسليم والتفويض لأنه الناطق. وهو عالم هذه الأمة كما أن الله ربها. وهو الذي نصبه الرسول يوم غدير قم. أقامه مقامه واستخلفه من بعده. وحول خاتمه من يمينه إلى يساره. وأمر وصيه أن يختتم باليمين ولا يحوله إلى الشمال إشارة منه بتسليم المنزلة إليه. وإذا كان اليوم اثنتي عشرة ساعة، فهذه إشارة إلى أن الوصي نظرا للتقابل بين الزمان والوصاية كما أعلن عن ذلك الرسول في حجة الوداع عندما أرشد الناس إلى التأويل بأنه اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. كما تدل حروف البسملة التسعة عشر على مجموع حروف علي ومحمد والحسن والحسين.

44

نامعلوم صفحہ