من النقل إلى الإبداع

حسن حنفی d. 1443 AH
154

من النقل إلى الإبداع

من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص

اصناف

من يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره

كما هو الحال في الاعتزال. فالدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء. ويوم المعاد لا ينفع فيه الندم والحسرة. ويتحقق الوعد، الثواب والعقاب في الأرض وفي السماء، في الدنيا والآخرة، ويتحقق أمر الله. كل مستحق مستوف استحقاقه بحسب درجته. وهذا هو القيام بالقسط. ويصبح الكتاب هو الهيولى السفلي والاستحقاق الصورة العليا والجزاء ثواب أو عقاب، نعيم أو عذاب. وهو جزاء معنوي. وهو أقوى وأشد على الإنسان من الجزاء الحسي. الالتذاذ في عالم النفس بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إذا بلغت النفس غايتها، واستقرت في هويتها، ورمت بثقلها. وقانون الاستحقاق هو قانون العدل. يختلف الناس في الشيء الواحد أحزابا وشيعا ولكن المهم عدم الظلم حتى لا يقع الجزاء. وإثبات الاستحقاق وقوانينه في الثواب والعقاب رد فعل طبيعي عن الإحساس بالظلم وأهل الظاهر هم أهل الكلم والنصيحة، ينالهم الأذى، ويؤخذ منهم المال في الدنيا. فإذا ما جردوا سيوفهم مع الإمام فلا سبيل إلى إيذائهم، والناس على ثلاثة أقسام: المؤمن، والمستضعف، والتائب. وإن طالت البلوى والمحن وأمسك بالدعاة عن الدعوة، وعظمت المعارضة لها يكون حال الإمام مثل شكوى زكريا وضعفه. فالشيب هم المنافقون وسيطرتهم على أهل الباطن، والخروج من المحنة عن طريق الرمز وعدم الحديث للناس.

24

وتنقسم الرسالة إلى علم وعمل من أجل الثواب والعقاب. وإذا كان العلم منقسما إلى ثلاثة علوم: العلم الأعلى وهو علم اللاهوت، والعلم الأوسط وهو معرفة حركات الأجرام، والعلم الأدنى وهو علم الطب والصناعات، وكان العمل أيضا منقسما إلى ثلاث: سياسة العامة، وسياسة الخاصة، وسياسة الحاقة. فإن الرسالة أوجبت معرفة الله بهذه الأقسام الثلاثة للعوالم وللعلوم. ومع ذلك تظهر الحكمة في النفس أكثر من ظهورها في العالم. العلم في النهاية آلة القبول الفوائد العقلية والآثار الإلهية والوصول إلى المقام المحمود والخروج من هذا العالم بالفوز.

العلم والعمل واجهتان لعملة واحدة. العمل بغير علم جهل. في حين يركز أهل السنة على أهمية العمل تعبيرا عن العلم، فهم أصحاب العلم ويريدون العمل، والشيعة أصحاب العمل ويريدون العلم الراسخ. والإيمان التصديق بمحمد وبصاحب القيامة الذي أشار إليه الرسول في حديثه بالرغم من أن الساعة ليست القائم، والمستوى الأفقي غير المستوى الرأسي. العلم في النهاية آلة لقبول الفوائد العقلية والآثار الإلهية للوصول إلى المقام المحمود والخروج من هذا العالم بالفوز ولا يسقط من الأعمال شيء، ظواهرها وبواطنها. وتقبل أعمال الواصلين الذين دخلوا دور الجرم، ويقفون في بعد الجزاء في مقابل المنافقين الذين في الدرك الأسفل.

25

ويتم تأويل الشرائع أيضا إلى الداخل، من أفعال الجوارح إلى أفعال القلوب كما هو الحال عند الصوفية أو إلى الخارج المشخص، إلى الأئمة المظلومين. وأحيانا يتم النداء إلى العمل المعبر عنه الإيمان كما تفعل أئمة الظلم دون تأويل. مع أن العلم والعمل من نفس المصدر، ونفس الاشتقاق، ونفس تكوين الحروف مع التبديل، اللام قبل الميم في علم، والميم قبل اللام في عمل. وكلاهما يبدآن بالعين مع تأويل «الملم الطيب» بأنها اللطائف الراجعة إلى عالمها. فلا فرق بين الكلم والوجود. والإيمان هنا بالأئمة بعد تسميتهم بأسمائهم. والسبيل إلى استطاعة حج البيت ليست الوسائل المادية بل العلم والإيمان الحي المقرون بالعمل غير الإيمان المذموم الفارغ من أي عمل.

وأفضل الأعمال الصلاة. وهي نظرة شرعية فقهية عادية لا تأويل فيها بما في ذلك الصلاة الوسطى. والحج أيضا نظرة شرعية فقهية. والجديد في التفسير لا يوجد دائما، بل يكون مجرد مقدمة عادية يأتي بعدها الجديد حتى يبدو التأويل الجديد مشوقا مسترعيا الانتباه أمام التفسير القديم وبارزا وحتى لا يمل القارئ وينفر ويخاف من كثرة الجديد وحتى يرتبط بذاته، ويقبل الجديد خارجا من القديم، وليس متصلا به وليس منقطعا عنه. والركوع والسجود هو الأساس أي الأمر بإقامة الظاهر لصاحب الدور وأن الباطن حجته. وغسل الوجه هو الإقرار بالناطق، واليدان طاعة الوحي والمسح على الرأس الإقرار بالسابق، والمسح على الرجلين الإقرار بمعرفة الأصلين والصيام هو الستر والكتمان كما فعلت مريم.

26

وأحيانا تكون أركان الإسلام أو الشرعة لا جديد فيها وعلى ما يألفه الناس كبداية وليس كنهاية وكوسيلة للدعوة، والبداية بالمألوف والانتهاء بالغريب. الشهادة مفتاح الجنة والشرك على وجوه ستة. منه ما يكون أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وأكبر درجات الشرك جعل الله شركا في ملكه أو معينا في قدرته أو مشيرا في أمره. وأقرب ما يكون العبد إلى الله ساجدا. الصلاة عماد الدين ومن لا صلاة له لا دين له . الصلاة زاد، شفع ووتر، والوتر تفرد. وصلاة ركعتين من عالم منقطع خير من خمسين ألف صلاة. تضمن الصلاة ستة أركان: الوقوف، والتكبير، والركوع والسجود، والتحميد، وسابعها النية. وكلها إشارات إلى النطقاء الستة. وقد يكون لهذه الأركان الستة معان أعمق. فالتكبير تلاوة العلم، والركوع حد الأساس، والسجود حد الناطق، والتمجيد الحدود العلوية، والتسليم درجة الإجلال. وكل صلاة لا يقرأ فيها أم الكتاب فهي خداع. وأم الكتاب هو الحمد لأن جميع الحدود موجودة فيها. الحمد فيه سبع آيات، وخمسة وعشرون كلمة، ومائة وخمسون حدا، معرفتها كلها شرط الصلاة وليوم الجمعة فضل خاص كما تدل بذلك أحاديث الرسول. الجمعة وحدها ممثول الناطق. وإذا كانت الدواب مشفقة من يوم الجمعة فإنها تشير إلى أولياء الله وحججهم ودعائه كما أن الدعاء يوم الجمعة مستجاب. والحدود ثلاثة، تحريم الخمر لأنها نصب للمكائد كما وكز موسى، والسحر المذموم، والملك المذموم، ثم تحريم الميسر، ثم تحريم الأزلام والأنصاب، والدعوة للمتعة بالنساء مطلقة ولكن زالت بالنكاح كما قال الرسول بأن النكاح بخمسة، زوج وزوجة وولي وشاهدين، بكل ما يوحي به العدد خمسة من رموز. (4) الإمامة

نامعلوم صفحہ