من النقل إلى الإبداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
اصناف
ويمكن جمع آليات الإبداع في رسائل ابن باجه كلها في منطق واحد. يظهر فعل القول كعادة متبعة في أسلوب التأليف، الأقل منها لأرسطو، والأكثر للمؤلف أو للرد على الاعتراض مسبقا «فإن قيل ... قلنا». المؤلف هو الذي يقول أساسا بضمير المفرد أو الجمع، وليس فقط الآخر الفعلي أو الآخر المتوهم في الاعتراض المسبق. وهو قول موجز، وليس شرحا أو إسهابا. الإسهاب نقل، والإيجاز إبداع. وكثيرا ما يذكر القول بمفرده دون نسبته إلى أحد، الأنا أو الآخر. وقد يفهم أنه قول الأنا وليس قول الآخر من السياق وإضافة ضمير المتكلم المفرد أو الجمع لاسم فعل آخر. وقد يستعمل فعل القول كمبني للمجهول؛ فالمهم ما يقال وليس من قال. وقد يخلو مقال بأكمله من فعل القول ومشتقاته، مثل «تدبير المتوحد»؛ لأنه لا يوجد فيه حوار بين الأنا والآخر، بل تعامل مع الواقع المباشر.
20
وقد يقصد المؤلف القول، ويكون للعبارة قوة «أقول» مع فعل آخر، مثل: قصد، فرغ، وقف . ويظهر القصد والغرض باعتباره موضوع الفكر. لا يتعامل الفيلسوف مع القول، بل مع القصد، والغرض من القول؛ لذلك يظهر فعل «قصد» واسم «غرض» كثيرا. وقد يضاف إلى القصد ضمير المتكلم المفرد أو الجمع. وقد يعبر عن القصد أو الغرض سلبا بأنه ليس كذا. ويتضح بالتأمل حتى تظهر المعاني القصدية .
21
وتستعمل أفعال البيان في الأزمنة الثلاثة لإظهار القصد، وكذلك تستعمل أفعال الظهور والكشف؛ فغاية البيان الظهور.
ويبدو المسار الفكري وكأنه نظرية في الإيضاح في مشتقات لفظ البيان اسما أو فعلا، في الأزمنة الثلاثة تأكيدا على تواصل المسار الفكري. وقد يكتفي بالجمع بين زمانين الماضي والمستقبل لما كان الحاضر مجرد ممر من الأول إلى الثاني. تكشف كثير من التعبيرات عن المسار الفكري لابن باجه، وعن وحدة مشروعه الفكري. يحيل الموضوع إلى موضوع آخر لمزيد من الإيضاح والتفصيل، يحيل إلى موضوع سابق أو لاحق. ويمكن تصنيف هذه التعبيرات طبقا للزمان أو الموضوع أو العموم والخصوص. وأغلب الإحالات إلى الكتب المعينة في الماضي. ويدل المستقبل على تأجيل تفصيل الموضوع إلى وقت لاحق. ويبدو من المسار الفكري استنباط النتائج من المقدمات في استدلال منطقي. ونظرا لطول العبارة استبدل بها المهندسون العلامات. وتظهر أنماط الاعتقاد من شك وظن ويقين.
22
وتتم الإحالة في الماضي إما إلى مواضيع عامة سابقة، أو إلى كتاب من الكتب المؤلفة سابقا، أو إلى علم من العلوم التي تم التأليف فيها سابقا، أو إلى الموضوع إجمالا أو تفصيلا. وقد تكون الإحالة إلى الماضي في صيغة المبني للمعلوم لأحد مشتقات فعل القول أو بصيغة المبني للمجهول. وأحيانا يظهر أحد مشتقات فعل البديان، وهنا ترتبط الإحالة بنظرية الإيضاح. وتكشف الإحالات إلى أعمال أخرى عن وحدة العمل كله، أو وحدة المذهب الذي يميل إليه ابن باجه في باقي أعماله لمزيد من البيان والإيضاح؛ مما يدل على وجود مشروع فكري عام متكامل لابن باجه. وأكثر ما يحال إليه تدبير المتوحد، ثم رسالة الوداع، ثم كتاب النفس، ثم المقولات والحيوان والنبات. وقد يشير إلى العلم مثل العلم المدني .
23
والإحالة إلى كتاب النفس تأليفا وليس شرحا لأرسطو، فتحول الكتاب من أرسطو إلى الشراح إلى الموضوع أو العلم هو تحول من النقل إلى الإبداع. تكون الإحالة من كتاب النفس إلى النفس انتقالا من الكتاب إلى الموضوع، خطوة في التحول من النقل إلى الإبداع. ويتم نفس التحول عند ابن باجه انتقالا من «كتاب التوحد» إلى «تدبير المتوحد». ويمكن عن طريق الإحالة إلى المؤلفات معرفة ترتيبها الزماني. وواضح أن الإحالات إلى المتأخرة كثيرة ومعتدة. وتدبير المتوحد من أواخر الكتب.
نامعلوم صفحہ