من النقل إلى الإبداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
اصناف
85
وهوميروش ذكر أمثلة على الذاتية وتبعية العقل للمزاج وتبعية الشيء للعقل مثل ديموقريطس وأنبادقليس وأنكساجوراس، والمادية خطوة نحو الشك.
86
ولقد احتار الناس في أقوال كسانقراطيس حتى عرفوا أوجه الخطأ فيها وضموه إلى السوفسطائيين، وتكلم أبيقورس في الأمور الإلهية لإقناع نفسه وليس لإقناع الناس لأنهم فهموا الألغاز واقتنعوا بها وكأن وظيفة الألغاز إقناع النفس وليس إقناع الآخرين كما هو الحال في التصوير الفني. ولا يسأل أبيقورس أشياء برهانية لأن أقواله ليست كذلك. وأنطيفاس رجل مشهور له أصحاب ويسأل عن طريق الأدب لأنهم جهلوا أن الحد ليس لجميع الأشياء. ويعني عدم الأدب أي عدم العلم بعلم المنطق. لا يهم المثل أو الاسم بقدر ما يهم الرد على الشكاك في الحد. ويضرب المثل بهرمس للعالم وبربوسوس بالجاهل. وأرسطوطاليس رجل مشهور في عمل الحدود الخاصة التي تجمع بين الصورة والعنصر. ويسقط ابن رشد بعض الأسماء اليونانية من شرحه مثل ديموس صاحب علم الشرائع وكذلك اسم فولوفيطس صانع الصنم للدلالة على الاسم المركب وهو ما سيفعله ابن رشد في تلخيص الخطابة.
87 (ز) فرق الحكماء القدماء والمحدثون
ويذكر ابن رشد أسماء فرق ومذاهب مثل القدماء والمحدثين والحكماء والأوائل المتقدمين. ولا يوجد لهم ذكر في نص أرسطو لأن ابن رشد يضع أرسطو في إطار تاريخ الفلسفة اليونانية، ويضع الفلسفة اليونانية في إطار تاريخ الفلسفة العامة. فالقدماء والمحدثون، والأوائل والأواخر يعبران عن وعي تاريخي إنساني عام ومسار الحضارات الإنسانية؛ لذلك لا تظهر هذه الألفاظ في النص المشروح بل في النص الشارح. فالوعي التاريخي عند ابن رشد أكثر ابتداء من الوعي التاريخي عند أرسطو. الوعي التاريخي اليوناني أقل انتشارا وأصغر مسارا من الوعي التاريخي عند ابن رشد. وأحيانا تزيد نسبة الإحالة عند ابن رشد إلى الفرق والمذاهب التي يشير إليها أرسطو مثل الفيثاغوريين والهرقليين في الألف الكبرى. وقد تزداد الإحالة نظرا لأهمية الفرقة مثل الفيثاغوريين. وقد تصل إلى ثلاثة أضعاف كما هو الحال في الألف الكبرى والباء. وأحيانا يذكر ابن رشد مجموعات أخرى مثل القدماء والجدليين والمتقدمين لم يذكرها أرسطو لأن الوعي التاريخي عند ابن رشد أعمق وأعم نتيجة للتراكم التاريخي من اليونان إلى الإسلام وزيادة ابن رشد القدماء والطبيعيين والفلاسفة والقدماء الأول والمتقدمين في الباء من أجل وضع الجزء في الكل. ويزداد تكرار السوفسطائيين في الجيم نظرا لهجوم ابن رشد عليهم. وفي الدال يضيف اليونانيين تأكيدا للتمايز بين الأنا والآخر. وفي الزاي يضيف ابن رشد القدماء والسوفسطائيين. وفي الثيتا يضيف ابن رشد السوفسطائيين والطبيعيين والمنجمين والأوائل. وفي العاشرة يضيف القدماء وأصحاب العلم الطبيعي، ويتضاعف الهرقليون. وفي حرف اللام يتضاعف القدماء في الشرح سبعة وعشرين مرة مما يدل على إحساس ابن رشد بوراثة أرسطو ووراثة المحدثين للقدماء أي المسلمين لليونانيين.
88
وقد تقل نسبة الإحالة عند ابن رشد مثل الإحالة إلى الإيطاليين أو الطبيعيين الذين هم أكثر ارتباطا بأرسطو منهم بابن رشد . وقد تتساوى الإحالة إلى المجموعات بين أرسطو وابن رشد مثل الإحالة إلى اليونانيين في الألف الكبرى. وقد تختفي الإحالات إلى المجموعات كلية عند ابن رشد مثل الإحالة إلى الأوائل واليونانيين والقدماء وأصحاب الشرائع والقدماء من الطبيعيين إسقاطا للآخر كلية ووراثة الأنا له، والتحول من علاقة المركز بالمحيط إلى علاقة المحيط بالمركز، من اليونان إلى المسلمين.
89
وعندما يشير ابن رشد إلى القدماء فإنه يطلق حكما عاما على الفلسفة اليونانية بصرف النظر عن العلم، طبيعيات أم رياضيات أم فلك أم إلهيات. فقد كانت هذه العلوم واحدة داخل علوم الحكمة. القدماء هم من قبل أرسطو بالنسبة له ومن قبل ابن رشد بالنسبة له، وقد أرخ أرسطو لعدة مشاكل: الصورة والمادة، الواحد والكثير، العلة والمعلول، الكليات والجزئيات، المعقولات والمحسوسات. واستسهل القدماء الحلول لأن الفكر الفلسفي كان ما زال في بدايته، ولم يتحول إلى فكر علمي بعد. يرى الظواهر في تعقيدها وليس في بساطتها. وهي كلها ثنائيات تعبر عن الفكر المثالي القديم الذي سهل بعد ذلك تركيبه على الفكر الديني الموروث. وقد خصص أرسطو مقالة خاصة للتحقق من صدق آراء القدماء أو كذبها في مبادئ الموجودات، وهو الجزء الثالث من علم ما بعد الطبيعة. فتاريخ الفلسفة جزء من الفلسفة، وتاريخ العلم جزء من العلم.
نامعلوم صفحہ