من النقل إلى الإبداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
اصناف
وتبدأ صيغ التأويلات لإثارة الإشكالات حتى يتم تعشيق الوافد في الموروث مثل: هل هناك محرك أول لإثبات وجود الله؟ هل هو وجود واحد لإثبات الوحدانية؟ هل هو جسم لإثبات التنزيه؟ مما يدل على أن علوم الحكمة هي مزيد من التنظير والتعقيل لعلم أصول الدين، والدافع على الشرح أهم من الشرح لأن الشرح مقاصد. ومن هنا أتت أهمية السابعة والثامنة في الطبيعيات لأنها تتضمن الحركة. الكل متحرك محرك لإثبات وجود الله على طريقة المتكلمين. يدرس ابن باجه الموضوع نفسه، وهو الدافع عليه والغرض منه وليس شرح الوافد.
36
والفرق بين الوافد والموروث أن كليهما يعتمد على العقل والواقع ثم يضيف الموروث مقياسا ثالثا هو الوحي الذي يضمن صحة العلاقة بين العقل والواقع.
وتظهر مباحث اللغة عند ابن باجه وفي مقدمتها اشتراك الاسم أو الاسم المشترك وهو الذي يفيد معنيين على نحوين مختلفين. وهو ما تعادل مباحث الألفاظ عند الأصوليين. وتظهر في السماع عامة أو في إحدى مقالاته على وجه الخصوص كالسادسة. ويسمى الاشتراك أيضا استعارة وتشابها، وهنا ينقل ابن باجه النص الوراد على منطق اللغة الموروث منعا للتشبيه والتجسيم ليس في الله بل في الطبيعة. والتفلسف هي هذه القدرة على التمييز بين معنيين لشيء واحد. الشرح إذن قراءة الآخر من خلال الأنا. ويتجلى الاشتراك وما ينتهي إليه من اشتباه في الاستعارة. والصورة الفنية أكثر قدرة من العقل على التعبير، فهي تكمل الاستدلال المنطقي. وأحيانا يكون الاشتراك بين ثلاثة معاني وليس بين اثنين فقط.
37
ويظهر البعد اللغوي الموروث عند ابن باجه في التكرار المستمر لتعبير «لسان العرب» تأكيدا على التغاير بين الأنا والآخر، بين العرب واليونان. فالمحرك يدل على وجود الحركة كالهيئة فيه طبقا لشكل اللفظ في لسان العرب. والحركة إذا قيلت على الحركة في المكان في لسان العرب قد ترادف النقلة، والنقلة قد تعني في لسان العرب العام والخاص طبقا لمنطق الأصول. وأشهر معانيها ما يبدل جملة مكانه لأنه من الأقاويل المستعملة عند العرب، واللفظ اليوناني للنقلة أخص من استعمال العرب إذ يفيد المتنقل قسرا وطبعا. والعرب لا تسمي الحيوان متنقلا. والنهاية في لسان العرب تدل على ما فيه التناهي، على الآخر وليس على المبدأ، آخر توجد عليه الحركة مثل استعمال الطرف في لسان العرب. والمضاف عند أرسطو في لسان العرب هو الوقت بعد الوقت أو المقارنة أو المناسبة. ويعتمد ابن باجه على تحليل المعاني الأرسطية في اللسان العربي، ونقل الوافد على الموروث قبل ابن رشد، وتحويل معنى الحركة عند أرسطو من الطبيعة إلى اللغة كما فعل الفارابي في تحويل المنطق إلى لغة.
38
ويستعمل ابن باجه أمثلة من التاريخ الإسلامي مستقلا عن أمثلة أرسطو طبقا لقياس العلة عند الأصوليين. فالمثل من أرسطو يعبر عن فكرة ثم يكمل ابن باجه الفكرة ويتمها ثم يعطي لها مثلا جديدا. مثال أرسطو يعادل الأصل. وفكرته الحكم، ومثال ابن باجه الفرع، وفكرته تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع لتشابه بينهما في العلة كما هو الحال في القياس الأصولي أو طبقا لنظرية المثل والممثول في التأويل الشيعي على النحو الآتي:
وهي نفس الطريقة التي تمت بها زيادة في معجزات المسيح في الأناجيل ومعجزات الرسول في كتب السير أو مؤلفات الكلام، من المثل الأول إلى الممثول إلى المثل الثاني، المهدي يحرك الرشيد بالذات، والمنصور يحرك المهدي بالذات إذن الرشيد يحرك المنصور بالعرض. فالمثل الثاني للحركة بالذات والحركة بالعرض يدل على مدى الحضور للتاريخ الأموي من الشرق في وعي ابن باجه، وكان يمكن إعطاء مثل علمي من الاعتماد والأكوان عند المتكلمين ولكن زمان الكلام قد ولى في عصر الحكمة.
39
نامعلوم صفحہ