من النقل إلى الإبداع

حسن حنفی d. 1443 AH
213

من النقل إلى الإبداع

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع

اصناف

وفي مقابل الماديين هناك المثاليون مثل فيثاغورس (وشيعته) الذي يعتبر النفس الهباء. وقد تكلم رمزا باللغز على طريقة السياسة المدينية واعتبره الناس حقيقة. وهي عدد وكأن العدد يحرك الحيوان. وهو مذهب أفلاطون. وقد اعتقد في بعض كتبه أن النفس من طبيعة المبادئ، وعند أنكساغورش الظاهر أن النفس والعقل شيء واحد وأن العقل هو الذي يحرك القول، وأن العقل هو سبب الاستقامة. ويظهر أحيانا من قوله إن النفس غير العقل، فالعقل مبدأ المعرفة والتحريك، ويحمد على هذا القول.

وكذلك الأمر عند ديموقريطس مستشهدا بقول أوميروش في بعض أشعاره أن من فقد حواسه فقد فقد عقله. والعقل غير مخالط حتى يمكن أن يعرف. وأنبادقليس جعل المبادئ كثيرة وهي الأسطقسات الأربعة والبغضة والمحبة، وجعل النفس مركبة منهما، وأن كل واحد من الأعضاء على نسبة من اختلاط الأسطقسات. والعظم عنده ثمانية أجزاء جزءان من الأرض وأربعة من النار واثنان من الماء والهواء. وكل واحد منها يعرف بشبيهه وهو قول شديد الغموض، ويلزم منه أن كل مبدأ يمهل أكثر مما يعرف وبالتالي نسبة الجهل إلى الله. ولم يصب ابن دقليس حين نسب هذه الأفعال في النبات إلى الأسطقسات. وكذلك لم يصب في قوله إن الضوء متحرك ينتقل من جسم إلى جسم، من الهواء إلى الأرض، لأنه خارج عن القياس. ويقول إن الفهم والإحساس شيء واحد كما قال أوميروس أن الحس والعقل شيء واحد.

82

وأرسطو هو مصحح آراء القدماء والمفند لها. رد على آراء أفلاطون بالرغم من شهرته. فليست النفس عظما من الأعظام أي جسما من الأجسام. ويبدو أرسطو راويا عن القدماء، فقد أتى في نهاية الفلسفة اليونانية كما أتى ابن رشد في نهاية الفلسفة الإسلامية قبل ازدهارها من جديد في إيران. فالخلد كما يروي أرسطو له عينان تحت الجلد وليس يبصر إلا ما زعم بعضهم أن يبصر ظلال الأشباح. وقد أحسن الإسكندر تأويل معنى العقل المنفعل عند أرسطو. أما سائر المفسرين فإنهم فهموا، من قوله إن العقل الهيولاني غير مخالط، أنه جوهر مفارق، وطبقا لتأويل الإسكندر العقل بالقوة مجرد استعداد. إن ثامسطيوس وأغلب المفسرين يرون أن العقل الذي فينا مركب من العقل بالقوة والعقل بالفعل أي الفعال. ولأنه مركب فإنه لا يعقل ذاته بل يعقل المعاني الخيالية، ولأنها فاسدة يفسد ويعرض له الغلط والنسيان، ويتأولان قول أرسطو في ذلك. ويحال إلى باقي أقوال أرسطو في الموضوع تفسيرا لأرسطو بأرسطو. ويستعمل ابن رشد تشبيهات أرسطو مثل تشبيه حالة العقل بالخط المنعطف لأنه يشبه أخذ العقل الصورة بالخط المستقيم.

83

ولا يقبل ابن رشد أقوال أرسطو على طول الخط بل يراجع بعضها لأن بها نظرا. فيقول مثلا إن الطعم هو بمنزلة اللمس وفيه نظر، وهو نفس رأي أفلاطون وجالينوس. وقد وعد أرسطو بأن يفحص موضوع المفارقة في العقل ولكنه لم يحقق وعده؛ إذ لم يجد ابن رشد له شيئا في ذلك، وكأن ابن رشد يريد إكمال مذهب أرسطو من داخله حتى يكتمل، ففيه اكتملت الحقيقة.

84

ومن مؤلفات أرسطو يحال إلى البرهان ثم القياس ثم الحس والمحسوس. ومن أفلاطون يحال إلى طيماوس.

85

فقد تبين في كتاب البرهان أن كل معرفة تنتهي إلى البرهان أو إلى الحد. فالبراهين تتكون من حدود على ما تبين أيضا في كتاب القياس، والموجود لا يعني بالضرورة ما قيل في كتاب البرهان وهو كون المحمول في جوهر الموضوع أو كون الموضوع في جوهر المحمول، أي الجوهر والعرض. فقد يعني الوجود بالذات ما يقابل الوجود بالقياس على غيره. أما سبب رؤية الأشياء في الظلمة فقد تم عرضه في كتاب الحس والمحسوس، وكما تبين في الثامنة من السماع أن لا شيء يحرك ذاته. كما تبين في السادسة منه أن كل متحرك جسم. وفي الكون والفساد تم عرض موضوع الفعل والانفعال. وقد عبر أيضا أفلاطون عن النفس محركا للبدن في محاورة «طيماوس» وهي في المحاورة جسم من الأجسام السماوية.

نامعلوم صفحہ