من النقل إلى الإبداع

حسن حنفی d. 1443 AH
183

من النقل إلى الإبداع

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع

اصناف

وبالرغم من التفصيل في السنن إلا أن الشهود والعقود والعذاب والأيمان أقل تفاصيل؛ فالشهادة نوع من التصديقات، والعقد هو وضع شرائط بين الناس للتصديق من الطرفين، والشرائط نوع من السنن، فإذا تعارض الشرف والسنة تكون الأولوية للسنة؛ لأنها ترعى المصالح العامة للجميع في حين أن العقد يرعى المصلحة الخاصة بين طرفين. والسنة المكتوبة أكثر رعاية للمصالح الخاصة من السنن العامة. ويقوم العقد على خديعة وليست السنة. والقائم على المدينة هو المسئول عن مراعاة العدل في العقود. وإذا وضعت العقود قسرا فإن السنن ليس فيها قسر، ويبطل العقد عقد آخر متقدم عليه أو لاحق به. أما العذاب فهو شهادة تصديق، توجب العقوبة في حالة الكذب؛ لذلك درأ الشرع «عندنا» الحدود التي تتعلق بالإقرارات التي تحت الإكراه، والأيمان تستعمل في أربعة مواضع: الأخذ والعطاء كما هو الحال في البيوع، عدم الأخذ والعطاء ، العطاء دون الأخذ، الأخذ دون العطاء. واليمين إما أن يكون من المدعي أو من المدعى عليه. وتصديقه بالضمير، وهو ملزم للخصمين، اليمين حكم شرعي ألزمه المرء نفسه طوعا وعن علم ولا يجب مخالفته. تلك هي التصديقات بلا قياس.

177

وإذا كان هناك فرق بين الحاكم والناظر، وأن الأول أعتى من الثاني لأن الحاكم لا يطلب منه دليل أما المناظر فهو مساو للمتكلم ومطالب بالدليل إلا أنه في ملة الإسلام قد يكتفى في الأقاويل الخصومية بقول الحاكم دون المتكلم، لأن قول الحاكم مضاف إلى أشياء من الخارج مثل الشهادات والأيمان. والفرق بين الشاهد والحاكم أن الشاهد يشهد بصدق النتيجة والحاكم يشهد بصدق القياس المنتج لها، والمناظر يناظر على إبطالها. وأكثر الأقاويل الخلقية والانفعالية إنما تستعمل مع الحكام، والحاكم في الأمور الكائنة هو الذي ينصب الرئيس مثل القاضي في مدن الإسلام على عكس المناظر بقول الحكمة الخطبية.

178

ويظهر الدين صراحة في العقوبات جزاء على هتك حرمة بيت الله وحرمة ماله والمظالم التي تقع في بيوت الله وأوليائه؛ لذلك قال الفقهاء «عندنا» إن من قال في صاحب الشرع عليه السلام إن زره وسخ قتل.

179

ومن الظلم أخذ أموال أحد وتعذيبه خاصة إذا كانوا من الصالحين العادلين ذوي الفضائل، ويكون ما يقع لهم فخرا وكرامة؛ لذلك يقصد كثير من ملوك الجوهر إهانة العلماء بالضرب فكان فخرا لهم في الحياة كما عرض لمالك وغيره من الفقهاء. وتعرض لهم بعد الموت كرامات عظيمة كما عرضت لعيسى والتابعين له. ومن الظلم ما كان متبعا لم يسبق إليه أحد من قبل مثل قتل قابيل لهابيل، والغرامة والخسران على من يوصل الخيرات للناس، وإلقاء الناس إلى السباع كما هي العادة عند بعض الأمم؛ لذلك زيد في عقاب الفرية التفسيق ورد الشهادة «عندنا». والإساءات هي التي تكون بين الله والعبد. وتكون الناس في أحوال جميلة فيما بينهم وبين الله آمنون، والغضب يعطي الإنسان شجاعة، خاصة لو كان الغاضب مظلوما ويعتقد أن الله تعالى ناصر للمظلومين.

وللشريعة معنى قريب من السنة. وهي أيضا مكتوبة وغير مكتوبة توصي بالعقوبات أكثر مما توحي بالتكريمات. والشارع أيضا له نفس المعنى، واضع العقوبات. والسنة هي القانون الذي طبقا له يحكم بتوقيع العقاب. وقد تكون السنة بوحي من الله حينئذ تكون حاكمة على الشرط. والحلف كذبا استهانة بالله وحرمته. ويضرب المثل بتفويض الأمر إلى الله، وإمكان علم ذلك إلى الله عز وجل على تضارب الانفعالات، بين الحزن والفرح، واليأس والأمل، والشك والإيمان. وإذا نال الإنسان من العطايا أكثر مما يستحق يقال إنه من عند الله، وهي من الناس. كما يضرب المثل على مواضع التقابل بالتضاد قول القائل إن الموت شر هذا خلق الله خاصة ليس بمائت. ومثال أن يلحق بشخص أحد الشيئين قول القائل: إن نطقت نطقت إما بالحق وإما بالكذب. فإن نطقت بالكذب أبغضني الله وإن نطقت بالحق أغضبني الناس، فالواجب السكوت. أو يقول: بل الواجب التكلم لأنك إن تكلمت بحق أحبك الله وإن تكلمت بباطل أحبك الناس. واللازمان لا يمكن اجتماعهما. وذلك أن محبة الله هي العدل ومحبة الناس هي الجور.

180

ومثال على أن الضدين أو المتقابلين واحد بعينه قول القائل إنه سواء في الإثم والغربة أن الإله مخلوق وأنه لا يموت، أو قوله إنه ليس بمخلوق ويموت؛ إذ يلزم عنهما أن يكون الإله ليس بإله. ومن هذا أيضا قول القائل: سواء عصيت الله أو عصيت الرسول ويضرب المثل بصدق المقدمات وكذب النتائج مثل سؤال رجل من النصارى: أليس الآباء والأبناء من جنس واحد؟ فإذا قيل نعم قال فعيسى إذن ليس ابنا لله.

نامعلوم صفحہ