من النقل إلى الإبداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
اصناف
7
الشرح قول من المتعين إلى اللامتعين، من الخاص إلى العام، من الحالة اليونانية إلى الحالة الإسلامية، في حين أن التلخيص تحول من اللامتعين إلى المتعين، من العام إلى الخاص، من اللغة والمصطلح والألفاظ إلى المعاني والتصورات. أما الجوامع فهي تحول من الخاص في الذهن إلى الأخص في الواقع، إلى الموضوع ذاته قبل أن يتحول إلى تصور وحكم، حدود وقضايا. وهناك نص غريب وفريد في تفسير ما بعد الطبيعة يوحي بالترتيب المضاد، الجوامع في الشباب، والتلاخيص في منتصف العمر، والشروح في النهاية. فالتفسير كتب في الشيخوخة، مع الاهتمام بعلم الفلك ولكنها رسالة أجيال متعاقبة. وهي نفس روح ابن سينا في آخر كتاب «الشعر» من الشفاء. ويكفي إدراك ذلك بالعقل أيضا إذا كان هذا الترتيب له ما يؤيده بالنصوص. ففي مرحلة الشباب التركيز على الشيء ذاته باختصار وكأن الجوامع أشبه بالمقالات العامة. ثم تأتي التلاخيص في مرحلة الشباب. ثم عندما يريد الحكيم أن يترك عملا تكوينيا كبيرا فإن ذلك لا يتم إلا في الشيخوخة.
8
ومن بعض فقرات ابن رشد في نهاية تلخيصاته تبدو الجوامع في البداية والتلخيصات في الوسط والشرح في النهاية أي البداية كانت رؤية الموضوعات، والوسط تلخيص المعاني، والنهاية شرح الألفاظ كما يصرح بذلك في تلخيص القياس، ويصرح بنفس الشيء في نهاية السفسطة، أنه قام بالتلخيص حسب ما تأدى إليه فهمه ووقته وأنه سيعيد الكرة إن أفسح الله في العمر ويكرر نفس الشيء في آخر «تلخيص الخطابة».
9
والسؤال: لماذا الشرح والتلخيص بالمفرد والجوامع بالجمع؟ ربما لأن الجوامع تعبر عن موضوع واحد، رؤية واحدة، مذهب واحد من أجل التأكيد على الوحدة العضوية للنص المشروح. مع أن الشرح أحيانا يكون جمعا مثل شروح ابن باجه على السماع الطبيعي، وربما وجد النساخ تسمية الجوامع بالمفرد لا تعني شيئا مثل جامع الجدل أو جدل الجامع في حين أن المفرد في حالة الشرح والتلخيص أدل مثل شرح البرهان، تلخيص المقولات.
والسؤال الآن: هل عرف ابن رشد ترجمات عربية أخرى في المشرق أو في المغرب استعملها اليهود والنصارى؟ هل كان لفلاسفة الأندلس في المغرب مصادرهم الخاصة المستقلة عن الترجمات التي تمت في المشرق؟ هل كتب ابن رشد كل نوع وأمامه النوع السابق؟ هل كتب التلخيص وأمامه الشرح للمقارنة وعدم التكرار، وكتب الجوامع وأمامه الشرح والتلخيص أم أنه كان في كل مرة يكتب يبدأ بداية جديدة، والبداية الجديدة من سمات التفلسف.
10
ربما حضرت الأنواع الأخرى في الذاكرة في حضارة بدأت بتراث شفاهي قبل التدوين. والحقيقة أن هذه الأنواع الثلاثة ليست تاريخا فقط بل بنية؛ إذ تعبر عن علاقتها بالترجمة كمراحل متتالية للتمثل والاحتواء للنص المترجم بعد توظيفه حتى يسهل ابتلاعه. ويمكن عمل عدة صور مستمدة من الحياة العضوية والعمرانية والمعمارية والجسدية والزراعية والصناعية والتجارية المباشرة للتمثيل وضرب الأمثال، طريقة الشرقيين.
11
نامعلوم صفحہ