أعطيتهم كعادتي كل أسبوع موضوعا لينظموه شعرا، ورددت الباب خلفي ورحت لأعود في نهاية الوقت أجمع تلك الخرابيش، فوقع نظري على ورقة إميل، وكان الموضوع وصف جرو كلب على وزن قصيدة المهلهل وقافيتها؛ فإذا بإميل يبدأ كليب يزعج الدنيا ومن فيها ... إلخ.
فقلت له: مكسور يا ابني.
قال: لا يا معلمي ألا ترى الشدة؟!
فضحكت وقلت: أما هو جرو كلب! أتصغر المصغر؟ أتطحن الطحين!
فأجابني الفتى بإصرار وعناد: نطحنه إذا كان خشنا يحتمل الطحن ...
كان هذا الفتى فلتة، إرادة حديدية، وعبقرية فذة، وطلعة ميمونة، علقت عليه آمالا كبارا، ولكن صح في وفيه قول الشاعر:
أريها السهى وتريني القمر
لا تسل عن غبطتي حين سمعته في الندوة اللبنانية يدعو الكلمات فتلبي مطيعة، لم تنسه الثروة العارمة بيانه، ولم تطغ السياسة الحادة على أدبه، وما أخذت لغة التجارة شيئا من أسلوبه المطبوع الناصع.
قال أحد من علق على محاضرته: إنه كان خطيبا لا محاضرا، وهذا حق. الخطابة هي إحدى صفات إميل البارزة، فوقفته العادية وقفة خطيب، ونظراته النافذة نظرات خطيب، وحركته المألوفة حركة خطيب، فهو حركة دائمة، هكذا كان منذ كان، أبقى له الله رداء الشباب.
وإميل ناري الشعور، ولكنه في أقصى انفعالاته لا يتخلى عن تلك الابتسامة، والخبير بها مثلي، يعرفها من لونها ... يأبى الركود والاستقرار، ولو تخلى كمال بك جنبلاط عن حملاته لاستولى إميل على المبادرة ... غضب إميل فاستأذن وغاب عن الجلسات الأخيرة، وتلك عادته عندما كان يفور في «جمعية الثمرة» عندنا. وكان يغضب جنبلاط فيضب على أوراقه ويخرج، وهذا هو الفرق بينه وبين زميله في الجبهة الاشتراكية، فكلاهما صلب العود لا يغمز.
نامعلوم صفحہ