من العقیدہ إلی الثورہ (٤): النبوۃ – المعاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
اصناف
أما باقي الملائكة فهي تشبيه إنساني خالص، وقياس للغائب على الشاهد؛ فلا يوجد مكان به ثروة إلا وله أمين، ولا يوجد مكان مهم إلا وله حارس؛ فرضوان خازن الجنة، ومالك خازن النار؛ واسم الأول مشتق من الرضا والسرور في حين أن الثاني مشتق من مسك الرقبة وملك الزمام والقبض على الأرواح ولوي الأعناق. أما أنواع الملائكة فهي المرءوسة التي تقوم بوظائف مساعدة للرئيس، مثل حملة العرش، والملتفين حوله في صورة الملك. أما الكتبة فهم الذين يسجلون على الإنسان أفعاله الحسنة أم القبيحة، ولكل نوع ملاك خاص، يسجلون عليه كل قول أو اعتقاد أو فعل، لا يفارقونه إلا في حالات الإنسان في حياته الخاصة، كالجماع والغسل والخلاء، وقد يسمى الأول رقيبا والثاني عتيدا، والاسم الأول أرحم من الثاني، والثاني أقسى من الأول. قد يتغيران كل يوم وليلة مرة كفترة عمل تنتهي لغيرهما، وقد يبقيان معه طول عمره في حياته وحتى مماته، ويجلسان على قبره يستغفران له إن كان مؤمنا! ولكن ماذا يفعلان إن كان كافرا؟ قد توحي ضرورة التغير بالأمانة والنزاهة ومع الأثر عليهما من الإنسان لطول عشرة ومصاحبة، وقد تزداد التفصيلات في الزمان والمكان، فإن تغيرا فإنهما يتعاقبان على الإنسان عند صلاة العصر وصلاة الصبح؛ أي كل اثنتي عشرة ساعة مرة، فترة صباحية، وفترة مسائية. أما من حيث المكان فقد يجلسان على عاتقيه أو بجوار ذقنه أو شفتيه أو عنقه أو ناجذيه، وكلها أجزاء من الرأس أو النصف الأعلى من الإنسان، وأحيانا يكون المكان مزدوجا له جانبان، لكل جانب ملاك مثل العاتقين والناجذين والشفتين، وقد يكون المكانان أفقيين وهو الأفضل كالعاتقين، فيكون الرقيب على اليمين والعتيد على اليسار، وقد يكونان رأسيين، مثل الشفتين والناجذين؛ وبالتالي يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل، وبطبيعة الحال يكون الرقيب إلى أعلى والعتيد إلى أسفل، وقد يكون المكان ذا جهة واحدة كالذقن والعنق، وفي هذه الحالة يصعب التوجه في المكان إلا إذا كان للذقن جانبان من ناحيتي الوجنتين، وكان للعنق أيضا جانبان من ناحيتي الكتفين. أما الحفظة فهم يحفظون المؤمنين من الشر، ويحفظون الكافرين من الجن، وكيف يتم ذلك قبل أن يتحدد المؤمن ويتميز عن الكافر، والحياة ما زالت جارية متقلبة؟ وأين دور حرية الإرادة واستقلال العقل في حفظ الإنسان؟ وكيف يتنازع الكتبة؟ كيف ينازع ملك الحسنات ملك السيئات، ويمنعه عن الكتاب لمدة ست ساعات؛ فلعل الإنسان يتوب؟ وماذا لو تاب الإنسان بعد ست ساعات، والتوبة ممكنة حتى آخر لحظة في حياة الإنسان؟ هل يقوم الملاك بمحوها؟
22
وللملائكة وظائف أخرى في الأرض، في حياة الناس وبين المسلمين ساعة الشدة وفي وقت المعارك، في مقابل دور الشياطين والجن وإبليس، فإذا ما وسوس الشيطان للمسلمين في بدر يفت في عضدهم، ويبين لهم سوء أحوالهم في مواجهة أعدائهم من عطش وجوع؛ أرسل الله للمسلمين مطرا من السماء ليشربوا ويغتسلوا ويملئوا الأسقية ولتنبت الأرض. وإذا ما أشاع إبليس في أحد أن محمدا قد قتل، فقتل من المسلمين عدد كبير بفعل إشاعة إبليس، بعد أن وهن المسلمون وفترت عزائمهم، وكما في الحديبية أن الكفار قد قتلوا عثمان، ورفع صوته به حتى يضعف موقف المسلمين، في مقابل ذلك ولمواجهة عداوة الجن والشياطين وإبليس، حارب الملائكة مع المسلمين في بدر سبعون من الجن وثلاثة آلاف من الملائكة، مردفين، يتبع بعضهم بعضا في موجات، ثم زادوا إلى خمسة آلاف، وتمثلوا في رجال بيض على خيل بلق عمائمهم بيض، أرخوا أطرافهم بين أكتافهم كما هو الحال في المشاهد الفنية للفرسان. ولما كانت الألوان في هذه الصورة غيرة متناسقة، رجال بيض وعمائم بيض، أصبحت العمائم سودا أو صفرا أو حمرا أو خضرا لظهور تضاد الألوان، وكان قتل الملائكة للمشركين يعرف بآثار سيوفهم في الأعناق والبنان؛ أي المفصل نقطا سودا مثل حرق النار تعبيرا عن دقة التصويب في المقتل، نقطة سوداء صغيرة في مفرق العنق. فإذا ما تصدى إبليس للمسلمين، وكان على رأس المشركين تصدى رئيس الملائكة له وهو جبريل، فارسا لفارس، ورئيسا لرئيس، مثل مبارزات الفرسان العرب في القتال قبل بدء المعارك تقوية لحماس الجند ورفعا لمعنوياتهم. وبالرغم من تشكل إبليس في صورة سراقة بن مالك، ورفعه الراية، وندائه على الكفار لقتال المسلمين، ووعدهم بالنصر، وخطب فيهم، إلا أنه هرب بمجرد رؤيته جبريل كبير الملائكة، ثم عاد فخطب ليبرر نكوصه بأنه يرى ما لا يرى المشركون، ومذكرا بأنه من المنظرين، وبأنه متروك حرا في غواية الناس، ولا يعترض عليه أحد، ولا يقف أمامه إلا الإنسان وحده، وكأن الله أراد أن يسلح الإنسان ليس فقط بإرادته الحرة وعقله المستقل تحقيقا لغاية الوحي، ولكن أيضا بملائكته؛ أي بفعل الله المباشر من خلال الملائكة، وهو ما يناقض إتمام الوحي وتحقيق غايته. وأحيانا يستبدل ميكائيل بجبريل، فيظهر ميكائيل وعلى جناحه أثر الغبار من تعقبه القوم الكافرين، ويراه الرسول ويبتسم له، ولا يرى المؤمنون إلا ابتسامة الرسول! ويعود جبريل من جديد بعد ميكائيل على فرس أحمر عليه درعه ومعه رمحه، وقد يكون اللون الأحمر من آثار دماء الكفار، وقد يكون لون النصر وعلامة القتال، ويعرض جبريل على الرسول خدماته حتى يرضى بتكليف من الله فيرضى الرسول. والعجيب في مثل هذه الروايات هو ذكر الحكمة منها؛ أي سبب وضعها وهو تقوية المسلمين وتكثيرهم في أعين الكفار. صحيح أن ملاكا واحدا مثل جبريل قادر على هزيمة الكفار، بل واقتلاع الأرض، ولكن كثرة الملائكة عدة وعددا إرهاب للكفار وتفتيت لعزائمهم أمام المسلمين. قد تقاتل بالفعل كما فعلت يوم بدر، وقد تحضر كل قتال دون أن تقاتل تضخيما وإكثارا لعدد المسلمين في أعين الكفار وإرهابا لهم، وكأن الأمر كله خداع حواس!
23
والملائكة الذين شهدوا بدرا أفضل ممن لم يشهدها منهم، والجن قياسا على ذلك في المؤمنين منهم، ولكن إذا كان اختيار الملائكة والجن في بدر أو عدم اختيارهم لا يرجع إليهم بل إلى الله، فكيف يستحقون الفضل دون غيرهم وليس لهم فضل فيه؟ وقد تم ذلك كله في إطار معجزات الرسول في الحرب، ومنها اشتراك الملائكة والجن إكراما له ورضا عنه. والتنبؤ بمصارع المؤمنين في بدر ومواطنها قد يتم بناء على معرفته بشجاعة الرجال وقلة العدد (ثلاثمائة تقريبا) وضيق المكان وفنون المبارزة. أما رمي الرسول المشركين بكف من حصى، فشاهت وجوههم، وأصاب بها أعين جميعهم وهم بالآلاف، فإنما ذلك تقوية لنفوس المسلمين وشحذا لهممهم. وقد تؤدي كثرة العدد إلى زحام بين الكفار في بحثهم عن المؤمنين القلائل، وفي الزحام يضيع الإنسان ويفقد رؤيته لمن يبحث عنه، خاصة لو كان عدد المشركين بالنسبة للمؤمنين عشرة إلى واحد. أما رمي الرسول كافرا بحجر فكسر رباعيته، فلم يولد من نسله إلا أهتم، ثم دخول حلقتين في وجنته، ونزع أحد المؤمنين لهما بأسنانه فكان أحسن الناس هتما، فهو تقابل عضوي بين الخير والشر، بين أسوأ هتم وأحسن هتم، بين الرسول كفاعل والرسول كمفعول فيه، وكلها صور فنية من سير الأبطال لاسترعاء انتباه السامعين، خاصة لو كانوا يعيشون جو الهزائم وحالات الإحباط.
24
ويقال في الجن ما يقال في الملائكة، من حيث إنها تدخل ضمن عقائد الإيمان عند الشراح المتأخرين؛ فهي مثلها قادرة على التشكل، والاحتجاب عن الأبصار، والقدرة على الإتيان بالأفعال العظيمة، ولكنها تختلف عنها في أنها ليست نورانية، بل نارية، وأنها مكلفة تطيع وتعصي؛ فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون.
25
والحقيقة أنهما معا يعبران عن عالم واحد، وهو عالم التمني والرغبة في تجاوز الحس، وقلب العجز مقدرة، وتحويل التناهي إلى لا تناهي. والفرق بين الملائكة والجن هو مجرد فرق في الدرجة، وليس فرقا في النوع، يتمايزان فيما بينهما فقط في درجة الشرف ومرتبة الكمال؛ فالملائكة أعلى من الجن من حيث الطاعة والإيمان، ولكن الجن أقرب إلى الإنس منهم إلى الملائكة؛ لأنهم مكلفون يعيشون حياة البشر من طعام وشراب وتناسل، ويسترقون السمع، فهم وسط بين كمال الملائكة ونقص البشر.
لذلك تراوح القدماء فيما بينهم في موضوع الملائكة بين الإثبات والإنكار؛
نامعلوم صفحہ